شباب أمامه الحرق ووراءه الشنق!!! أين المفرّ؟؟؟

3 نوفمبر 2015

الموضوع صالح لأن تهتمّ به أطروحات نهاية الدراسة أو حتّى الدكتوراه :«كيف يتعامل المجتمع والإعلام أساسًا مع حالات الانتحار المباشر وغير المباشر؟؟؟».

المسألة ملفة للنظر، حين يشكّل الانتحار من منظور علم النفس السريري، عجزًا من الفرد على التأقلم مع المجتمع، وكذلك (وهنا الأخطر) عجزًا من المجتمع على قراءة أفراده حين ثبت أنّ المقبل على الانتحار يبعث إشارات استغاثة عديدة إلى محيطه، طلبًا للاهتمام أو هي طلب انقاذه من ذاته.

ما الذي يقدّمه المجتمع وكيف ينظر الاعلام إلى حالات اليأس عامّة والانتحار (بأصنافه) خاصّة؟؟؟

وجب الاعتراف أنّنا نعيش هذا الواقع (أي ما بعد تهريب بن علي) بفضل «عملية انتحار» أو في رواية أخرى، أشعل المرحوم طارق البوعزيزي (الشهير بتسمية محمّد) النار لإشعال سيجارة بعد أن كان سكب مادة شديد الالتهاب على جسده، أيّ إنّنا بين انتحار مقصود أو لا مبالاة خطيرة، ممّا يجعل الوعي العام والذاكرة الشعبيّة تؤرّخ بهذه الحادثة، التي ليس فقط صنعت تاريخ تونس، بل ـ وهنا الخطورة ـ مثلت كرة الثلج/النار التي تسارعت في مسارها لتشمل مصر وليبيا واليمن وسورية وربّما تلمس بلدان أخرى…

الشباب في تونس يرى في نفسه وقود الثورة التي دفعت إلى «تهريب» بن علي، أو على الأقل تغييره برئيس ثان، لكنّ هذا الشباب في جانبه الأكبر يرى نفسه «مغبون» (بالمعنى الدارج في تونس) أيّ أنّه لم ينل، أوّلا نظير تضحياته حين شكّل الخطوط المتقدمة للمواجهات أثناء فترة 17/14، وثانيا لم تقدّم أي من الحكومات المتعاقبة على مستوى الخطاب والمشاريع والانجاز، ما يشفي غليل هذه الفئة العمريّة…

الشباب بين الاارهاب والانتحارالأرقام مذهلة ومفزعة، الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، تقرّ في إحصائياتها أنّ 21 في المائة فقط من فئة 18/30 سجلوا اختياريا في الانتخابات التشريعيّة والانتخابيّة الفارطة، وكذلك أنّ 6 في المائة فقط توجهوا الى صناديق الاقتراع، ممّا يعني أنّ 79 في المائة من هذه الفئة العمريّة ترفض الانتخابات «أصلا وفصلا» في حين فضلت نسبة 15 في المائة عدم التصويت رغم ذهابها للتسجيل.

الأرقام أكثر من مفزعة، إنّها عبارة عن وجود عالمين يتعايشان فوق الأرض ذاتها في قطيعة تامّة، حين يمثّل «رفض الانتخابات» مؤشرًا على عدم الثقة في هذه منظومة فرز النخبة السياسيّة، ممّا يعني عدم ثقة أو على الأقل «احتراز فعلي» من هذه الطبقة برمتها.

إنّه عجز يتجاوز بل يشمل الأحزاب السياسيّة ليمسّ الطبقة أو هو «النظام السياسي القائم»، حين لم تترك فئة الشباب فرصة لم تستغلها لإعلان رفضها بل عنادها بالذهاب عكس القيم المجتمعيّة والنظم القانونيّة القائمة.

ممارسة الإرهاب والانخراط في كلّ التصرفات التي يراها المجتمع غير أخلاقيّة (كالجنس قبل سنّ الزواج أو المثليّة أو تعاطي المخدّرات)، كلّها باعتراف جميع الاحصائيات في ارتفاع مذهل، بل هي الوجوه ذاتها لنفس المكعب. إنّها «الشماتة» في الذات و«شماتة» في المجتمع.

الهجرة السريّة أو الحلم بالهجرة القانونيّة تجاوزت حدود المعرّفات التقليديّة للنمط المعني بهذه الظاهرة أي الشاب/الذكر، دون 25 سنةـ العاطل دون تكوين مهني أو مستوى علمي، وكذلك الأعزب. هذه الثلاثية (أيّ الشاب/الذكر/غير المتكوّن/الأعزب) تراجعت من نسبتها التي كانت غالبة، بل الطاغية بدخول شرائح عمريّة تقارب الأربعين أو تزيد من الجنسين، ومن المتعلمين وخصوصا من المتزوجين، حتّى أنّه تمّ تسجيل حالات هجريّة سريّة «عائليّة»، أي أب وأم والأبناء…

الهجرة السريّة تمثّل نمطا من أنماط «الانتحار» أي المغامرة والقبول بالمخاطرة وركوب المجهول.

عندما ندرس الحالات الثلاث لهروب الشباب من الواقع:

ـ الارهاب والتطرف والتحوّل إلى سورية والعراق أو ليبيا للقتال

ـ الانحراف: مخدرات، جنس ومثلية جنسية

ـ الهجرة السريّة إلى أوروبا

نجدها جميعًا تحمل على القطيعة مع المجتمع والبحث عن «فضاء» بديل. الارهاب والهجرة السريّة تمثلان قطيعة مع «الجغرافيا» للتخلّص من الواقع المادي، والانحراف قطيعة مع الواقع الاجتماعي والاستعاضة عنده بواقع ذهني…

كلّها وجوه للعملة ذاتها…

لا تأتي الخطورة من الوضع القائم حاليا، بل من غياب أيّ مقاربة علمية، أوّلها التعاطي مع ظاهرة الانتحار على أنّها خبر في ركن «الحوادث»، حينما صار الأمر إلى لامبالاة من المجتمع ومن الاعلام، لا يمكن تخيّل خطورتها.

يمكن الجزم دون أدنى نقاش، أنّ هامش الشباب الرافض أو المعارض أو حتّى الذي يرى نفسه في قطيعة مع سائر المجتمع أو فئة منه في تزايد وارتفاع، ليكون السؤال فقط، عن شكل هذه القطيعة، والسؤال الأخطر النمط الذي تراه هذه الفئة في تجسيد القطيعة.

الانتحار أخطر أشكال التجسيد لهذه القطيعة، لأنّ المقبل الانتحار يعني «حرمان الذات من المجتمع» لأنّ المجتمع (وهنا الدمار والمصيبة) هو ـ بحسب من يرغب في الانتحار ـ لا يرى فارقا جوهريا بين هذا الحضور المفرغ من محتواه، وكذلك هذه «المغادرة» التي (على الأقل) ستحدث «ضجّة» عند حدوثها.

لا يمكن القول أو حتّى التخيّل أنّ «الشباب» (ضمن المعنى العام للكلمة) قادر على أن يكون «طرفًا» سياسيا، قادرًا على بلورة «مطالب سياسيّة» هو «حبات رمل» يصعب جمعها أو ترفض أن تجتمع، بل لا تعي أصلا بوجوب الاجتماع إلا من خلال الارهاب والانحراف أو الهجرة السريّة، لكن الشباب هذا أو طلائعه المسيّسة تطرح أسئلة عن «الثروة الوطنيّة»، أو «حقهم في التنمية» أو حتّى في التمثيل السياسي، حين يأتي «الشباب داخل الأحزاب» (وفق أحد الشباب) كمثل اللاعبين على دكّة البدلاء، الذين لم ولن يشاركوا في المباراة إلاّ عند تخلّي الكبار عن اللعب. علما أنّ الكبار لا يتخلون أبدًا بمحض إرادتهم: الموت أو العجز أو الانقلاب.

هذا «الاعصار» الشبابي يأتي في غفلة من الأحزاب الكبرى والحركات «الرائدة» في البلاد، التي لا تزال تعزف على وتيرة الكراسي المفردة أو المنقطعة عن المجتمع.


176 تعليقات

  1. سياسات الدولة هي من تدفع الشباب نحو ـ الارهاب والتطرف والتحوّل إلى سورية والعراق أو ليبيا للقتال
    ـ الانحراف: مخدرات، جنس ومثلية جنسية
    ـ الهجرة السريّة إلى أوروبا . الموضوع يستحق الدراسة لفهم اسباب هدا الواقع .هناك العديد من الامثلة مثل امينو من مغني راب الى السجن بسب المخدرات ثم يتحول لسوريا

  2. الوضع يستحق اطلاق ناقوز الخطر
    يحتاج انكباب اخصائين على دراسة الظاهرة
    والبحث على حلول
    كما تم تكليف مجموعة من الباحثين لدراسة ظاهرة اندماج الشباب في الإرهاب
    محموعة سامي براهم
    نحتاج مجموعة اخرى من الباحثين تهتم بموضوع الإنتحار في مختلف اشكالو التي اتيت عليها بالذكر
    تحليل جيد :-)

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي