محسن مرزوق

1 ديسمبر 2015

محسن مرزوق: نابليون دون انتصارات…

عندما يعلن محسن مرزوق إثر خطاب الباجي عن «وجوب مصارحة الشعب وبوجوب اتخاذ قرارات مؤلمة»، فذلك يعني أنّ الطلاق بين هذا الشقّ وذاك الشقّ، سيتمّ في ألم شديد، وكذلك على الجميع أن يستعدّ (كما الحال أمام مسلسل «وادي الذئاب») لمشاهدة «تساقط الضحايا» (من الجانبين)…

محسن مرزوق

محسن مرزوق

جاء محسن مرزوق (عند تأسيس النداء) «يطلب نارًا» أرادها أن تشعّ أكثر من نيران الأحزاب الأخرى، وخصوصًا حركة النهضة أساسًا، وها هو على استعداد لإشعال النار في النداء، عسى أن يفهم «عراب الأمس» وكذلك «الأب الروحي» الباجي قائد السبسي، أنّ في الأمر ما يتجاوز السياسة إلى أمور تهمّ «الشرف» وكذلك «العرض»، حين لا يرضى محسن مرزوق أن يخرج من «مولد» (النداء) بلا «حمص» أو أن يكون «طرطورًا» يفرش لغيره الطريق إلى عرش قرطاج….

محسن مرزوق يعلم ويدري وهو على يقين أنّ المعركة ستكون شديدة العنف بل أعنف ممّا يتصوّر الجميع، حين لن يرضى الباجي الذي نصّب نفسه قائدًا للشقّ المعادي لشقّ مرزوق، أن يأخذ محسن ومن معه «قشّة» من رأسمال النداء، بدءا بالتسمية، مرورًا بالأموال وختامًا بالماكينة الانتخابيّة.

أخطر من الحرب ذاتها، وأعنف من المعارك التي سنشهدها، لعبة «فصل الصفوف» قبل «المعركة الفاصلة»، حين تبيّن لأذكياء النداء ومن يدركون بالحسّ قبل الفهم، أنّ الباجي حسم أمره وأنهى مرحلة التردّد ليتزعّم المعركة (الفاصلة) بنفسه. هؤلاء «الأذكياء» الأقدر دائمًا على «استباق التاريخ»، بل قراءته قبل وقوعه، كأنّه الغيب ينكشف أمامهم، يدركون أنّ كلّ ما سارع أحدهم بحسم أمره علنًا ودون تردّد، كلّما كان الأسبق عند النجاة والأفضل مرتبة عند توزيع «الغنائم»…

لن يبقى مع محسن سوى من مارسوا الغباء السياسي وقطعوا خطّ الرجعة، حين أبلغوا «الرئيس» أنّه «عجوز» غير قادر على ملاعبة أمثالهم، وأنّهم يملكون من الأدلة والبراهين والإثباتات ما يفتح «باب البلاء» على هذا الذي يريد أن ينهي حياته في «صورة بورقيبة»، وختموا بالقول أنّ نسخة من «7 نوفمبر» على الأبواب، حين يملكون المال والرجال، والجزء الأكبر من الدولة الفاعلة أو هي العميقة…

هي معركة لن تطول بالتأكيد، لا هذا الصفّ أو ذاك الصفّ من أنصار «الاستشهاد على عتبات قصر قرطاج» أو غنّوا يومً في الجامعة أو خارج الجامعة «عليها نحيا، عليها نموت»….

مصيبة محسن مرزوق أنّه محاط بقلّة قليلة من أمثاله، وبلفيف عاشوا من الاسترزاق وسيبقون يطوفون على الموائد يطلبون حثالة المناصب وثمالة التسميات…

الباجي «الداهية» بطبعه، يدري ويعرف بل صار مرجعًا في توزيع الوعود بمقدار. يعد هذا بالعفو (كما يفعل بورقيبة) ويطرح المناصب أمام ذاك (على عادة بن علي)، ليقينه أنّ لا أحد في تونس قادر على انهاء المعركة قبل القضاء على الطرف المقابل أو رمي المنديل والاعتراف بالهزيمة…

نقطة ضعف محسن مرزوق أنّ طبعه غلب تطبّعه، لم يغادر منطق «اليسار الانقلابي» حين أراد التسلّل إلى ماكينة «النداء» كان حاول «رفاقه» زمن بن علي… بن علي لا يملك دهاء الباجي ولا حكمته، بل ملك عصا غليظة وقدرة غير مسبوقة على التدمير.

 

خسر اليسار المعركة زمن بورقيبة، حين تسلّلوا إلى وزارة الداخليّة وتحوّلوا إلى الماكينة «الشيطانيّة» التي ضربت الاسلاميين من باب الانتقام الايديولوجي، وخدمة لنظام بورقيبة….

 

خسر اليسار المعركة زمن بن علي، حين استخدمهم فرادى في مهام «قذرة» وجعل منهم الواحد تلوى الأخر «محارم ورقيّة» أو هي «بطاريات غير قابلة للشحن»…. خدموا مثل العبيد وغادوا المشهد، والنظام ينادي: «هل من مزيد»….

سيخسر اليسار المعركة زمن الباجي، لأنّه لم يفهم أنّ المعادلة الدوليّة تعتبر الثنائي النهضة/النداء أساس الاستقرار في البلاد، وكذلك أن على اليسار» ألاّ يزيد أبدًا عن دور «التهويش»، أي تحريك المعادلة وعدم المشاركة في الحكم…

 

أحسنّ محسن مرزوق (كمثل نابليون) أنّه أكبر من جدلية التاريخ، حين اقتنع وساهم في اقناع قطاعات واسعة من اليسار بالتصويت للنداء من باب «التصويت الأجدى» Le vote utile، لكنّه لم يفهم (إلى حدّ الساعة) كيف اعتبر الباجي هذا «الحلف الانتخابي» مجرّد درجة في سلم الصعود إلى السلطة، وأنّ الأسلم من الوفاء بهذا هذا «العهد» هو عقد «عهد التوافق» مع خصمه اللدود.

لم يفهم محسن مرزوق أو أنّ ذكاءه تجاوز التضارب الشديد بين شقيّ النداء:

أوّلا: يساريون يحملون كرهًا مقيتًا للإسلاميين ولا يفاوضون في المسألة كأنهم رضعوا أصولها في الحليب

ثانيا: دساترة، لا يؤمنون سوى بالمصلحة ولا يؤمنون بالأخلاق في السياسة، وعلى استعداد لتقبيل الشيطان ومراقصة ابليس من أجل الحفاظ على السلطة…

سيفهم محسن مرزوق، كما فهم نابليون في جزيرة المنفى، بعيدًا عن السياسة، أنّ عظمة الفهم لا تغني عن تواضع التعاطي مع التفاصيل، وأنّ الذكاء المتعالي أضرّ بصاحبه من الغباء القاتل…


40 تعليقات

  1. من لا يفهم مجريات التاريخ يجري مسرعا حتما الى مزابل التاريخ كما تجري السحلية”الزرزومية بالتونسي” خوفا من العقرب باتجاه العقرب وهذا المشهد يصح بين محزوق والبج.
    محبة استاذ ومزيدا من التألق مقال ممتاز.

  1. تعقيبات: Mountain Hardwear online

  2. تعقيبات: nfl jersey sales

  3. تعقيبات: discount ralph lauren

  4. تعقيبات: cheap arcteryx online

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي