أولبرايت الصهيونيّة والسماسرة الذين معها…

13 فبراير 2016

انبرى عدد من «القوميين» أو بالأحرى ممّن ينطقون بخطاب «قومي» إلى التنديد بالصورة التي جمعت «قهرمانة» السياسة الأمريكيّة «مادلين أولبرايت» برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وطيف من قيادته حركته، مؤكدين على أنّ «الصورة» (دليل اللقاء) علامة «خيانة بيّنة»، سواء من قبل رئيس الحركة، أو الحركة ذاتها، أو الطيف الإسلامي، مع تأكيد خاص وأكيد على جماعة «الاخوان المسلمين»…

من يقرأ هذه الكتابات، في شكلها العام وليس الخاص، أيّ أنّ مثلها يُكتب عن لقاء بشار الأسد بأيّ مبعوث إيراني أو روسي إلى المنطقة، يفهم أو على الأحرى يستنتج أنّ أصحاب هذه التعليقات من الطرفين هم من يحدّدون (في أذهانهم) سياسات هذا الطرف أو ذاك، وكذلك وهذا الأخطر، أن القطيعة قائمة أو هي محسومة، بين هذه الأطراف «القوميّة» من جهة وهذه «القهرمانة» ومن تمثّل، وكذلك بين الجهات المعادية للنظام السوري من جهة وروسية…

دمشق ستفتح أبوابها مشرّعة وستفرش السجاد الأحمر أمام أيّ مبعوث أمريكي يبغي زيارة المنطقة، مادلين أولبرايت زارت دمشق (عندما كانت وزيرة خارجيّة) ووجدت من الحفاوة الشامية ما يجد كل المسؤولين القادمين من الغرب، وكذلك، تعلم «المعارضات السوريّة» (المسمّاة معتدلة) أنّ موسكو ماسكة لخيوط مهمّة من «اللعبة السوريّة» ومن ثمّة لا حاجة للشتم أو للقول الذي يؤخر ولا يقدّم….

صار الأمريكان جزءا من الصراع، وصارت الصهيونيّة الأمريكيّة، أخطر (منذ البدء) على الأطراف العربيّة، ومن ثمّة علينا التمييز بين جلاء بين نقطتين:

أوّلا: اللقاء في ذاته مع أقطاب السياسية الأمريكيّة، خاصّة وأنّ الأمريكان أصحاب حرص شديد على التقاط الصور الحميميّة، وإظهار هذه الصورة، من باب «قطع باب المزايدة»…

ثانيا: لبّ السياسة أو هو الموقف من الأمريكان عامّة ومن موقفهم من أمّ الصراع في الشرق الأوسط، أي القضيّة الفلسطينيّة وما تفرّع عنها على مدى ما يقارب السبعين عام من الوجود الصهيوني الرسمي على الأرض الفلسطينيّة (أي منذ النكبة) وما هو الموقف من جميع المواقف الأمريكيّة الداعمة (دون حدّ) للعدوّ الصهيوني الغاشم؟؟؟

الأمريكان يعتبرون «الصورة» بضاعة قابلة للتصريف، فيتقبّلها العرب (أو بالأحرى من يمارس الشتم، من «النخب» خاصّة) في صورة «الحقيقة» المجرّدة، التي لا تحتاج ولا تستحقّ الغوص في أعماقها.

madeleineبناء «الوعي السياسي» لدى الفرد العربي، على ثنائيّة «مقاطعة الأمريكان» في مقابل «النوم في أحضانهم» فيه الكثير من الوهم وكمّ كبير من الجهل وقدر لا يمكن وصفه من الحماقة وحتّى الغباء المزمن. من يمسك السياسة في أيّ بلد أو تنظيم أو حزب أو حتى جماعة، يكون عليه (منذ اللحظة الأولى) أن يلعب (فعلا هي لعبة) بين «قناعته الأوليّة» (من جهة) مقابل «مكرهات» (الواقع)، لأنّ السياسة، على خلاف ما يعتقد «الشاتمون» ليست تلك العنتريات الخطابيّة أو الشعارات الجوفاء، بل الوصول إلى الهدف والمحافظة على المصالح دون الخروج عن الضوابط التي سطرتها هذه الجهة لذاتها ورسمتها لسياستها…

 

مع استثناءات قليلة، يمكن الجزم أنّنا منذ قرار المقبور أنور السادات بزيارة الكيان الصهيوني، سقط العرب في جبّ «الغاية الظاهرة تبرّر الوسائل الممكنة» لتتحوّل التنازلات سلعة أولى، بل السلعة الوحيدة التي كان على العرب تقديمها، منذ مبادرة «الأمير فهد» في «قمّة فاس» وصولا إلى «المبادرة العربيّة» (للسلام) في «قمّة بيروت»…

 

في الطرف المقابل، (أي الطرف الرافض لهذا الاستسلام) لاحظنا تراوحًا بين شعارات جوفاء وخطب عصماء، ومزايدات لفظيّة لا قبل لأيّ كان بها، وكذلك سعي حثيث ليس فقط لعدم قطع العلاقات مع الولايات المتّحدة، بل رغبة في الذهاب بالتعاون أبعد ما يكون…

سيطرت الشعارات الجوفاء والقراءات السطحية على العلاقات مع الولايات المتحدة، بل يمكن الجزم أن واشنطن كانت المنتفع الأوّل من الشعارات التي رفعها القذافي ضدّها، حين عجز (رغم شعاراته ذات البعد الثوري المرتفع) عن بناء دولة (أو الحدّ الأدنى منها) ومن ثمّة عجز عن «صياغة الحدّ الأدنى» من المنظومة الثوريّة الفعليّة، التي كثيرًا ما نادى، بل بشّر بها…

تعشق الولايات المتحدة أن ترى أو أن تجد أعداء لها على المقاس، وتعشق في المقابل أن تجد لها خدمًا على المقاس، لأنّها تلعب بالاثنين وتراهن على «صراخ» (الأوّل) وكذلك «خدمات» (الثاني) من أجل أن:

أوّلا: تؤسّس للفرقة والصراع في المنطقة.

ثانيا: تمتصّ كامل «الحقد» ضدّها من خلال هذه «الأقطاب» (الثوريّة)، التي تدفع بالغضب إلى شعارات جوفاء وبطولات وهميّة.

ثالثًا: تصنع البديل (النافع) من خلال «النقيض» (الظاهر)…

تبقى مسألة العلاقة مع الولايات المتّحدة من أهمّ الدلائل على تخلّف العقل العربي عامّة، أو هو ذلك التشبث بعقلية «القبيلة» أي جعل «المصلحة» جملة من الدوائر المتداخلة، حين يمكن التفريط في الدائرة الاوسع (فلسطين خير مثال) حفاظا على الدائرة المركزيّة، أي وجود «الحاكم» على رأس السلطة…

 

قالها المقبور أنور السادات وصدّقه الكثيرون أنّ «99 في المائة من أوراق الصراع (في المنطقة) بأيدي الولايات المتحدة» ليسقط الكثيرون في هذا «الفخّ» (الكمّي) ويناقشوه من خلال التسليم بأصل المعادلة والذهاب بها نحو نسبة أقلّ…

مجرّد وضع «معادلة النسبة» في ذاتها، سقوط في فخّ الاعتراف، وعدم تسليم بوجود معادلات أخرى، بل (وهنا الخطر) نفي لأيّ وجود خارج المظلّة الأمريكيّة، التي علينا (وفق نظرها) أن نخدمها كما تريد أو أن نعاديها كما تشتهي هي…


160 تعليقات

  1. تحليل ينفع لو اننا صببنا جهدنا على الحلول لا البكاء على الماضي و الحاضر و المستقبل،و لا نقول “يناقشوه” بل يتاقشونه لأنه لم يسبق الفعل :نفي بلم أو نصب بأن و ،،،،،،،

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي