أيّ مستقبل لتونس: حكومة عليلة وسياسة مشلولة؟؟؟

12 يناير 2016

السؤال الذي لا يغادر عقول التونسيين وهو الجامع للأسئلة جميعها، بل يتجاوز الصدامات الحاصلة والقائمة والقادمة، ويجتمع عنده التونسيون دون استثناء ويقفون أمامه في دهشة شديدة، لا يجدون جوابًا، يخصّ «مستقبل البلاد» أو بلغة أخرى ما تخفيه الأيّام؟؟؟
هذا السؤال أو هذا الهاجس الملحّ، علامة عن خوف من المستقبل والقلق من القادم، علامة ودليل على عجز «النخب» (السياسيّة خاصّة)، في صياغة مشروع (في الحدّ الأدنى) يرضي الحدّ الأدنى من المواطنين…
حين نذهب تعمّقا في هذا «الخوف» أو «القلق»، نراه وندركه أوّلا في ما نراه من «كفر بالثورة»، أي هذا «الندم» أو الرغبة في التراجع عمّا كان، ليس من باب كره «الثورة» ذاتها أو محبّة في «العهد السابق»، بل من باب التعبير عن هذا «اليأس» (أو يكاد)، الذي بدأ يعصف بالأنفس.

في الدول الديمقراطيّة، ترتفع أسهم هذه الحكومة أو تنزل، وتتراوح أسهم رجال السياسة بحسب النجاح أو نتيجة الفشل، لكن (وهذا الأهمّ) لا تمسّ أهواء المواطنين (عند الغضب أو عدم الرضا) «أصل الديمقراطيّة»، على عكس الحال في تونس، حين يمسّ هذا اليأس أو هو ضرب، «النخاع الشوكي» للدولة أيّ وجودها وكينونتها والمشروع الذي جاء منذ يوم 14 جانفي…
لا تعي الأحزاب التونسيّة بهذه المسألة ومسألة «الوعي» ضمن هذه الحالة يتعدّى مجرّد «المعرفة»، أو إعلان المعرفة، بل وجب أن يتجلّى من خلال مشروع فاعل وناجز، يتجاوز بالمواطن القلق ويدخل به (دون رجعة) درب الاستقرار والطمأنينة واليقين بالغد الأفضل.

على العكس من ذلك، نرى تقوقعًا للمجال السياسي ضمن هذه «الألعاب الحزبيّة» التي وإن مثّلت جزءًا من الحراك الطبيعي في أيّ ديمقراطيّة عاديّة، إلاّ أنّ (في تونس) بدأ يقطع حبل الوصل أو هو «الحبل السرّي» مع عمق المجتمع.
ندرك هذه المسألة من طبيعة الخطاب (السياسي) الذي تحمله وسائل الإعلام، والذي لا علاقة له بالمشاكل اليوميّة التي يعيشها المواطن، بل أصبح الصراع الأيديولوجي والصراع بين المكوّنات الحزبيّة، المشهد الدائم أمام أعين المتفرج والمتلقّي عامّة.
ضحالة «الخطاب الاجتماعي» لكامل النخب السياسيّة وأساسًا الحاكمة منها، يأتي عطفًا أو هو تتمّة لما هو الوضع الاجتماعي ذاته، من ارتفاع لمعدّل البطالة وارتفاع للأسعار وتراجع للقدرة الشرائيّة، علاوة على التخبّط الشديد على مستوى المشاريع «الاصلاحيّة» في مجال التعليم مثلا…

revolution-tunisie-45وجب أن نعترف بعدم وجود «ديمقراطيّة مثاليّة» وكذلك لا وجود لطبقة سياسيّة دون مشاكل، بل المشكلة في أن تشكّل هذه المشاكل أصل «الوجود السياسي» وتتحوّل إلى «الخبز اليومي» (للمواطن). مسألة احساس يتملّك المواطن.
من الأكيد أنّ ليس من مهام الدولة طمأنة جميع المواطنين بشأن جميع المسائل، حين يأتي الترتيب مختلفًا لدى أفراد الشعب بحسب الحاجة والموقف والموقع، بل المطلوب (وهذا أصل السياسة) أن ترسي الدولة أجواء إيجابيّة تستطيع من خلالها، أن تذهب بالكتلة الأكبر نحو الأفضل، ومن ثمّة لا أحد يطالب الدولة (أو الحكومة) بالمستحيل (كما هو حال البعض) وكذلك لا أحد يملك أحقيّة رفع المسؤوليّة عن كاهل الدولة (كما هو حال البعض أيضًا).
لا يحتاج المرء إلى ذكاء خارق أو إلى قدرات كبرى ليدرك أنّ الطبقة سياسيّة تعمل من خلال «الأنانيّة» المتدثرة بمقولة «حبّ الشعب»، حين تأتي النسبة الكبرى من الخطاب السياسي مركزًا في اصرار ليس على «الشأن السياسي» كما هو النخب في عديد البلدان، بل على «الشأن الحزبي» أو بالأحرى الصراعات الحزبيّة، ومن ثمّة يمكن الجزم أنّ شعورًا متزايد ينتاب البلاد بما يشبه «اليتم السياسي» أو عدم الاحساس بعلويّة «الشأن السياسي»، حين أقدم السياسيون على تدمير صور بعضهم البعض، لتكون «المتعة» بهذا الكم الهائل من «الفرجة» على السباب والكلام البذيء وحتّى التخوين والمطالبة بالمحاكمة….

الخصام جزء من الحراك السياسي، وليس التناقض الذي نراه، حين الانقلاب من أرفع أنماط المديح إلى أسوأ أنواع الذمّ والقدح، يكون في فترات جدّ قصيرة، فمن مدح يومًا شريكًا له الحكم واعتبره «المنقذ»، صار إلى اعتباره الآن «غير قادر على الحكم»….
هي أزمة في أدمغة السياسيين، الذين لا يملكون قدرة مراكمة الزمن وتحكيم الأخلاق (السياسيّة) على الأقلّ…
المعارك الحزبيّة في شكلها الفرجوي تسقط بصورة السياسيين إلى حضيض، لا يمسّ هذه الصورة، بل يدمرّ «الصورة الاعتباريّة» للدولة.
أخطر من الوضع القائم مهما كان، عدم الأمل بتحسّن الأوضاع، فيركب مرارة اليوم علقم الغدّ، ومن ثمّة تتحوّل المسألة من مجرّد خوف إلى «رُهاب» (بالمعنى العلمي)، ممّا يدفع الناس إلى هجر السياسة والسياسيين واليأس من أن تستطيع السياسة (على اعتبارها تصريف شؤون الناس) تحسين الأمور….

لا يمكن الحديث أصلاً عند ديمقراطيّة وسط التسيّب القائم، على المستوى، والأخطر أنّ الحل لا يكمن في القوانين، بل في التأسيس لأعراف (بالمفهوم الأخلاقي)، بل لا يمكن الحديث عن «حياة سياسيّة» (ديمقراطيّة)، وسط هذا التسيّب الذي نراه…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي