إضراب الأسرى الفلسطينيين: إسراء في زمن الهزيمة…

19 أبريل 2017

أمام سلطة فلسطينيّة قبلت النزول بما يسمّى «المفاوضات» من «سقف الدولتين» (وفق حدود 5 جوان/حزيران 1967) إلى «الدولة الواحد»، وقرب انتقال رئيس (هذه السلطة) إلى العاصمة الأمريكيّة، بغية التسليم بهذا الأمر أوّلا، وثانيا نقل «المفاوضات» من شكلها الثنائي إلى مجال عربي أو هو اقليمي، وكذلك أمام السعي المتواصل لخنق غزّة وتدمير ما تبقّى من بنيتها التحتيّة، دون أن ننسى تراجع الاهتمام العربي والإسلامي بالقضية الفلسطينيّة. أمام كلّ هذا «الأفق الحزين»، جاء اضراب الجوع الذي أعلنه قرابة 1200 أسير فلسطيني داخل سجون العدوّ، من جملة ما يقارب 7000 سجين، أقرب إلى «نقطة ضوء» وسط ظلام دامس، «شرارة» أمام جموع ملّت البرد القارس…

إضراب الجوع، تأتي أهميّته من بعده الرمزي والدلالي، على اعتبار أنّه يندلع من قلب «السجن» الذي أراده الصهاينة، مؤسّسة تدمير للسجناء وتدجين لعزائمهم، ومن ثّمة جعلهم، كما قال (المقبور) «موشي ديّان» مجرّد أرقام. ما يزعج الصهاينة وما يقضّ مضاجعهم، أنّ هذا الإضراب ينطلق من المكان الذي ترى المؤسّسة الأمنيّة، ليس فقط أنّه تحت «سيطرة التامّة والكاملة»، بل هي تمارس «الإذلال» كما تريد.

 

في المقابل الفلسطيني، لا تزال «قضيّة الأسرى» موضع «إجماع» أو هي أوسع توافق بين الأطراف الفاعلة ضمن هذا المشهد، وأيضًا يحتلّ الأسرى (الأشخاص والرموز) بعدًا منفصلاً عن «المشاحنات» التي صارت ديدن الساحة الفلسطينيّة، سواء تعلّق الأمر بالخيارات الكبرى أو التفاصيل الدقيقة.

 

يمكن الجزم أنّ «معركة الأمعاء الخاوية» أصبحت أو هي ارتقت لتكون «السلاح الاستراتيجي» الذي يملكه الأسرى، دون قدرة أو طاقة للصهاينة على نزعه أو حتّى مجرّد التأثير فيه. كذلك جاء الإضراب الجماعي، ليعيد قضيّة الأسرى، أو هو يخرج بها ويرتقي، من مجرّد «حالات انسانيّة» تطلب «التحسين» وتطالب بما هي «التفاصيل»، إلى اعتبارها تعيد طرح القضيّة في أصلها وصلبها، أيّ «قضيّة تحرّر وطني»…

bilelمن مزايا هذا الإضراب، رغم صعابه وشدّته وما يستوجب من عزائم فولاذيّة، أنّه جاء وخرج (منذ يومه الأوّل)، أشبه بما هي «عصا موسى» التي ابتلعت دفعة واحدة، كلّ «الشطحات الداخليّة» وكذلك «المؤامرات الاقليميّة» دون أن نغفل «الإبادة الأمريكيّ»، بل هو أشبه بالصراط الذي وجب أن نحدّد موقفًا منه، سواء بالمساندة والمدد والدعاء (في أسوأ الحالات)، أو هو «الصمت» وأيضًا «الانزواء»، إن لم يكن «الانحسار» إلى مربّع «العبارات الفضفاضة»، لكم (وهنا الأهميّة)، لا جهة فلسطينيّة أو عربيّة أو اسلاميّة، تملك ذرّة شجاعة واحدة للوقوف في وجه هذا «الفينق» الذي يحيا ويعود دائمًا مما يرونه بل يريدون رمادًا…

 

من الأكيد أنّ حياة الأسرى غالية سواء لعوائلهم أو لشعبهم الفلسطيني دون أن نغفل المحيطين العربي أو الإسلامي، إلاّ أنّ المعادلة أو هو الرهان، تجاوز مسألة «الحياة» التي تأتي «دلاليّا» (في العادة) نقيض «الموت»، ليقلب الإضراب المعادلة، ويجعل ليس فقط «النصر مؤكّدًا» (فقط)، بل هو الذي سيصنع (وقد بدأت البشائر) ذلك «الربيع الفلسطيني» (المزهر)، القادر على إجلاء الضباب الذي يلفّ الخيارات الأساسيّة، بين «مفاوضات» أثبتت عقمها و«جهاد» أثبت (بدوره) عمقه….

 

دون رجم بالغيب يمكن الجزم دون مبالغة، أنّ «الإضراب» حقّق ليس فقط هدفه الأوّل، بل دمّر معادلات قامت على أساس «تدمير الإرادة الفلسطينيّة» بدواعي «واقعيّة الرؤية» وعدم جواز السقوط في المبالغات، وانقضاء زمن «العنتريات النضاليّة». بالعقل البسيط المجرّد، لا أحد أشدّ «ضعفًا» من أسير تحيط به الأسوار الصهاينة، ليكون (وفق ذات الرأي) أقرب إلى التسليم بالواقع، سواء من باب «اتّقاء» العذاب والتعذيب، أو هو التوق للخروج إلى العائلة والأهل والشعب بالكامل. انكسرت المعادلة، وانقلبت، بل صار «الضعيف» (افتراضًا) هو الأقوى، حين يمكن الجزم أنّ لا أحد يشكّك (قدر أنملة) في «إرادة» الأسرى. لذلك يأتي (وسيأتي) النصر حتميّا، سواء من باب الإيمان القاطع، أو هو اليقين القطعي بأنّ المشهد الحالي لا يمكن أن يذهب بأصحابه (ومن ثمّة بالقضيّة) سوى إلى «النصر»…

جنون الصهاينة، الكيان والقيادات، ينمّ عن خوف شديد، وعدم استعداد، ليس فقط للفعل بل كذلك للتفكير خارج دائرة البطش الذي جرّبوه على مدى عقود، ليس فقط دون جدوى، بل ثبت عقم هذه الأفعال أو هي تقلب المعادلة على رأس أصحابها.

 

هي معركة وعي، وصراع قناعات، قبل التفكير أو حتّى النظر إلى أسوار السجن، أو أسلحة السجّانين، هي معركة إرادات أثبت الأسرى منذ معركة «الامعاء الخاوية» (الفرديّة)، أنّهم ليس فقط الأقوى، بل هم من يمسكون خيوط المشهد بكامله. دون تهويل ودون تهوين، ربّما يسقط شهداء ومن الأكيد أن تخلّف «المعركة» (لأنّها معركة) «آثارًا» صحيّة، لكنّ الأسرى عن وعي تام وإدراك لا يتزحزح قيد أنملة، قرّروا رفع الرهان، فركبوا البحر وهم لا يخشنون الغرق.

 

يعتقد الكثيرون أنّ هؤلاء الأسرى في حاجة إلينا، ليُثبت الواقع أن «ميزان العطاء» يميل إلى جانبهم، حين تأتي حاجتنا إلى مثل هذا «الضوء» وهذه «الشرارة»، أكثر بكثير ممّا نقدّم من كتابات هنا ودعاء هناك. هم من يرفعون السقف ونحن نتوارى تحته…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي