إنكيفادا، كابوس أم شيطان أم عدالة افتراضيّة؟؟؟

18 أبريل 2016

تعشق الصحافة (المهنة والتجارة) مثل هذه «الفضائح» لأنّ الناس (القراء والحرفاء) أميل إلى «التلذّذ» بالفضائح من حبّ الاطلاع على «الأخبار العاديّة»…

سمة تجمع كلّ الشعوب من أزمنة وأماكن مختلفة… في المقابل (أو هو بالتوازي) تراجعت الثقة في العدالة في الدول الديمقراطيّة وغابت أو انعدمت في الدول «السائرة في طريق الديمقراطيّة»، في حين بقي للصحافة (قياسًا) مصداقيّة أفضل…

جاء الحلّ ليكون ضرب سرب من العصافير بطلقة واحدة: «حقائق» تبدو في شكل «الفعل النبيل».

 

بدأت «القضيّة» بحصول احدى أهمّ الصحف الألمانيّة Süddeutsche Zeitung  على ما يقارب 11,5 مليون وثيقة من رابع مكتب محاماة في العالم مختص في انشاء الشركات «الوهميّة»، أيّ الشركات التي لا دور لها ولا وظيفة سوى اخفاء المالكين الحقيقيين، علمًا وأنّ قانون باناما (أسوة بالعديد من الدول) يوفّر حماية كاملة وسرّا مطلقا لمالكي الشركات، التي لا تعدو أن تكون سوى «قناعًا» يتخفّى وراءه «المالك» (الحقيقي)…

الصحيفة الألمانيّة تأتي جزءا من «شبكة» عالميّة، تضمّ قرابة 60 وسيلة اعلاميّة، تسمّى «المجموعة الدوليّة للصحافيين الاستقصائيين»، المعروفة من خلال اختصار تسميتها الانقليزيّة ICIJ، علمًا وأنّ هذه الشبكة لا تشتغل ولم تعمل سوى في مجال «الفضائح الماليّة»… كذلك تلقى هذه «المجموعة» دعمًا علنيّا (بحكم القانون الأمريكي) من جمعيات قريبة من المخابرات الأمريكيّة وأخرى قريبة من رجل الأعمال «جورج سوروس» عُراب «الثورات الملوّنة» في أوروبا الشرقيّة….

 

المغالطة الأولى بل الكبرى، التي تمّ التعمية عليها والتغاضي عنها، تكمن في أنّ باناما ليست الجهة «الأضخم» في ممارسة مثل هذا «النشاط»، الذي تمّ تقديمه في شكل «العمل غير الأخلاقي»، حين يحتلّ «القلب المالي لمدينة لندن» (المعروف بتسمية «السيتي») المرتبة الأولى سواء على مستوى المعاملات الماليّة أو مثل هذه الممارسات الضامنة للسريّة. كذلك تأتي الولاية الأمريكيّة «دولاوار» Delaware، التي تتفوّق على باناما سواء على مستوى حجم الشركات أو عددها، علمًا وأن «جون بايدن» نائب الرئيس الأمريكي أصيل هذه الولاية…

من ذلك يمكن الجزم من منطق «القراءة الطبيعيّة للعقل البشري» أنّ «المصلحة المعلنة» من وراء هذا «الفضح» لا يمكن أن تكون «خالصة لوجه الشفافيّة»، حين تخصّصت هذه «المجموعة الاستقصائيّة» في «الفضائح الماليّة» أوّلا، وثانيا والأهمّ ترتبط بما هو قائم في الولايات المتحدة من «جماعات ضغط» (معلنة وصريحة) مثل Fondation Ford وطيف من الجمعيات القريبة والمرتبطة بعالم رجل الأعمال «جورج سوروس»، ممّا يعني أنّ «الفضيحة» (دون السقوط في نظريّة المؤامرة») تخدم جهات دون أخرى، مهما تكن «النوايا» ومهما جاءت «الحسابات»….

 

على «المستوى المحلّي» لا أحد (في المطلق) يمكنه لوم موقع «إنكيفادا» لحصوله «حصريّا» (عشر أسطر تحت هذه الكلمة) على «امتياز» المادّة المتعلّقة بالجهات التونسيّة الواردة أسماؤها ضمن قائمة البيانات هذه. لكن العجيب (وهنا المصيبة الكبرى)، الموقع قدّم معلومات عن «قائمة» هو عاجز بخصوصها عن أمرين:

أوّلا: اثبات صحّة المعلومات ذاتها، حين لا أحد في (هذا) الموقع (التونسي) يملك سلطة على «الجهة الأمّ» ومن ثمّة ما تمّ نشره هو معلومات عن «قائمة» وليس معلومات عن «تورّط»؟؟؟

ثانيا: الجزم (من قبل أصحاب الموقع التونسي) أنّ بحوزتهم جميع المعلومات (دون زيادة أو نقصان) عن الجهات التونسيّة الواردة (فعلا) أسماؤها ضمن القائمة (الأصل)؟؟؟

وجب التذكير أنّ اختيار الموقع التونسي لأداء هذا الدور (مهما كان ومهما يأتي الموقف منه) لم يأت اعتباطا، علمًا وأنّ موقع «إنكيفادا» يرضع (ماليا) من «الثدي» ذاتها الذي ترضع منه «المجموعة» أيّ جماعات قريبة من المخابرات الأمريكيّة (بشهادات أمريكيّة صريحة) وبالتالي نحن (دون مبالغة لغويّة) أمام «أخوة من الرضاعة»…

 

من الطبيعي أن تكون «نظريّة المؤامرة» جزءا من التفاسير المقدّمة عن هذه «القائمة/الكنز» علمًا (وهذه حقيقة)، تقوم الولايات المتحدة منذ مدّة بمحاربة «الجنّات الضريبيّة» وأماكن اخفاء «الثروات» (غير المشروعة)، بدءا بسويسرا التي عدّلت من قوانينها كثيرًا، ومن ثمّة لم تعد «المقصد الأوّل» لأصحاب «الثروات» (المشبوهة)، كما سبق لهذه «المجموعة» أن فضحت لوكسومبرغ عام 2013، ليضيق العالم (تدريجيّا) أمام أصحاب الثروات (الحرام)….

بعيدًا أو توازيا مع هذه الأبعاد الاستراتيجية (التي لا يمكن نكرانها)، يمكن الجزم أنّ «اللعب على الوثائق» يمكن أن يمثّل (في كلّ بلد) ورقة ضغط ممتازة، وكذلك أداة لفضح هذا وتركيع ذاك، لتكون الأداة (الأقلّ كلفة) لإعادة تركيب المشهد السياسي والاعلامي، حين تتكفّل «وسائل اعلام محليّة» سواء بالتكليف أو بالمبادرة، بنشر هذه «السيئات» أمام شعوب تحلم بالفضيلة ولا تمارسها…

 

وجب عدم الخلط بين أمرين أكيدين:

أوّلا: من الأكيد أن «الجهة التي سرّبت» لعبت بالمعلومات وفق ما تراه من «مصلحة» سواء بالحذف أو بالإضافة، أو التعديل، ممّا يعني أنّنا أمام «مصالح» تتحرّك وليس «ملائكة» تقذف الحقائق.

ثانيا: أن هذه الدول (باناما وغيرها) توفّر المسالك «الآمنة» لتهريب الأموال ومن ثمّة يكون وجودها (أصلا) تشجيعًا على السرقة.

من ثمّة علينا أن نميّز بين البعد الأخلاقي الذي لا يمكن مناقشته في مقابل «التفاصيل» التي تسكن عندها شياطين الدنيا جميعها…

 

ختامًا:

لا يمكن لهذه الزوبعة أن تأخذ طريقها إلى العدالة أو بالأحرى أن تتحوّل إلى «السيف المسلول»، حين نالت «إنكيفاد» وثائق لا تضمن صحتها ولا تضمن عدم التلاعب بها وأصلا لا تضمن (ولا يمكن التحقق) إن كانت «الجهة الأمّ» أخفت المعلومات كليّا أو جزئيا.

لذلك يكون على العدالة التونسيّة أن تراسل العدالة في باناما، حينها سيكون الجواب من سطر واحد:

«قانون باناما لا يسمح بالإفصاح عن مثل هذه المعلومات».

نقطة وعودة إلى السطر، في انتظار «فضائح قادمة»…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي