الباجي وصنم بورقيبة: عجل من ذهب أو نار ولهب؟؟؟

1 مارس 2016

مهما تكن المسوّغات التي قدّمتها رئاسة الجمهوريّة عن الأسباب التي دفعت رئيس الجمهوريّة إلى اتخاذ قرار إعادة «تمثال بورقيبة» إلى الشارع الرئيسي للعاصمة، فالجزم قائم أنّ هذه «المسوّغات» عاجزة عن أن تكون «السبب الوجيه» في هذا «الوقت بالذات»…

الناظر إلى تونس من خارج الحدود يحسّ عند الاطلاع على هذا «القرار» أنّ تونس (البلاد والنظام والحضارة) حلّت جميع المشاكل التي خرج من أجلها الناس يوم 17 ديسمبر ولم يبق (من باب الحصر) سواء هذا «التمثال» الذي «وجب أن يعود إلى مكانه»…

 

من الشعبويّة القاتلة أن نرى في التكاليف (أيّ تكاليف النقل) ذلك المبلغ الذي ستفلس الحكومة بسببه، لكن الإشكال يكمن في المستويات التالية:

تمثال بورقيبة

تمثال بورقيبة

المستوى الأوّل: سياسي: في بلد دفع الشهداء من أجل الحريّة والعدالة ومن ثمّة الكرامة والسيادة، يكون من «المبالغ» (فيه) جعل «الصنم» (أو التمثال) «صورة» للمثال السياسي، في وقت لا أحد في حاجة لدليل يؤكّد على تآكل مفاهيم «الاستقلاليّة» (السياسيّة) وكذلك «السيادة» (الوطنيّة) وأساسًا «الأخلاق» (في بعدها الشامل)…

المستوى الثاني: رمزي: ما الذي يدفع إلى استثناء الحبيب بورقيبة دون غيره من «زعماء» البلاد، والحال أنّه الحبيب بورقيبة (مهما كان الموقف منه) لا يمثل سوى أحد «الوجوه» (التونسيّة) التي قدّمت من أجل البلاد.

المستوى الثالث: اعتباري: في بلد يعترف فيه الجميع أنّ الحالة الاقتصاديّة «متراجعة» (إن لم نقل شيئا أخر)، مع ارتفاع في «معدّل البطالة» وتزايد الحراك الاجتماعي، يكون من «غير المفيد» الذهاب في قرار «نقل تمثال» (مهما كان صاحبه)، حين تحتاج البلاد (والشباب خاصّة) إلى «رسائل ايجابيّة» من دولة تصرف «المليم المناسب في المكان المناسب»…

يمكن الجزم أن الرجوع إلى «الماضي» في (هذا) «الزمن الحاضر» يأتي دليل فشل عن تقديم «رؤية استشرافيّة للمستقبل» حين لا حاجة للرجوع إلى معاهد سبر الآراء للتأكّد من أن «التونسي خائف من الغدّ» بنسب هي بكلّ تأكيد أرفع من السابق….

 

لا تعني المسألة إعادة قراءة التاريخ أو فرز الزعامات الوطنيّة عن بعضها البعض، أو اعتماد الرؤى «الاقصائيّة» في التعامل مع هذا التاريخ، بل (مجرّد) السؤال عن أهميّة، إن لم نقل أولويّة هذا الفعل (بالذات) في هذه «الفترة» (بالذات)؟؟؟

 

عندما تمثّل السياسية «فنّ تسيير شؤون الناس» تكون السياسة أبعد ما يكون عن «الفكر المحلّق دون روابط موضوعيّة» بهذا الواقع. بلد مثل سويسرا (مثلا) لم يعد مطروحًا عليه (أو على القضاء فيه) أسئلة شبيهة بالأسئلة المطروحة (على القضاء في تونس)، فراح القضاة (هناك) يسجلون أصوات الدجاج وأصوات الجلاجل في أعناق البقر، للبحث والسؤال ومن ثمّة الفتوى والحكم، إن كانت هذه الأصوات من «حقوق الحيوان» أم هي «مزعجة للجيران»…

هذا يعني أنّ لكلّ بلد «أسئلة حارقة»، أسئلة يأتي طرحها أشبه بالضرورة الحياتيّة وليس الترف السياسي. في بلد يعيش ألف هاجس بين اقتصادي واجتماعي وأمني، لا أحد يمكنه القول أنّ «العود بالتمثال» (إلى مكانه) «ضرورة تاريخيّة»…

 

هكذا تنفصل أو هي انفصلت «النخب» عن «أعماقها الشعبيّة»، ليكون السؤال (الهامّ والحارق):

كيف يتمثّل السياسيون الهاجس الشعبي وكيف يتعاملون مع الأولويات المطروحة من قبل السواد الأعظم من الناس؟؟؟

 

دون السقوط في شعبويّة «الشعب يريد»، حين لا يمكن لأحد «النطق نيابة عن الشعب» يمكن الجزم (من خلال العقل والقراءة الموضوعيّة) أنّ «العمق الشعب» يأتي أقرب أو هو في حاجة إلى «رسائل سياسيّة» (قبل رسائل أخرى).

أيّ فائدة (حقيقيّة ومتأكدة وثابتة) يمكن تحصيلها من خلال «إعادة (هذا) التمثال» (إلى مكانه)؟؟؟

 

الباجي وبورقيبة

الباجي وبورقيبة

نخرج حينها من «السياسة» (على اعتبارها تسيير الواقع) إلى «السياسة» (اعتبارها تفسير النوايا)، ليكون الجزم أنّ السياسي الفاشل في قراءة العمق الشعبي وأيّ خطاب يريد وأيّ رسالة يبغي، لا يمكنه أن يستعيض عن «عدم الفهم هذا» بالجلوس فوق «الربوة» ليتهمّ «الشعب بعدم الفهم»…

نحن نقف أمام جيل من الشباب يحترق شوقًا بغية «إثبات وجوده». هذا الشباب لا يتورّع عن «ركوب الموت» (الحرقة) أو «صناعة الموت» (الإرهاب)، بحثًا عن وجود لا يجد له أيّ أثر في خطاب سياسي، أجوف ومعلول وناقص.

لذلك واهم وكاذب ومغفّل (كلّ يختار ما يليق به) من يتخيّل مجرّد اللحظة أنّ «عودة التمثال» يمكن أن تمثّل «أيّ جزء كان» من أيّ خطاب (مهما كان) يملك أيّ قدرة (كانت) على «صناعة القدوة» القادرة على المساهمة بأيّ درجة كانت في انقاذ الشباب من «ركوب الموت» أو «صناعة الموت»…

 

وجب أن نملك الجرأة لنقول ونعلن، أنّ الباجي قائد السبسي بقرار «العود بالتمثال» لا يخاطب «عمقًا شعبيّا» ولا يلبيّ «حاجة شعبيّة»، ولا يأتي هذا «القرار» ضمن «رؤية شموليّة»، بل هو (وهنا المصيبة) مجرّد «حلم» (أو «كابوس»)، بالقدرة على «صناعة المستقبل من خلال الماضي» (وأيّ ماضي)…

علميّا، يمكن الجزم أن نسبة الرضا عن «عودة التمثال» تأتي ضعيفة، وحتّى الذين يرونها «صورة جميلة» أعجز هم، كما عجز الفاعلين من أجل العودة، على «صياغة خطاب» يطمئن ويؤلّف ويجمع، حين صارت تونس طوائف وقبائل، بل هي من النحل والملل، ما يجعلنا نجزم أنّ العجز الأوّل (في السياسة) يكمن في هذا «الجهل» (السياسي) الذي بسببه ضاعت البلاد بين الأمم.


209 تعليقات

  1. أقترح على السيد الرئيس الباجي قايد السبسي، تحضير عمل فني خاص به ووضعه بإحدى الساحات، إن كانت نفس الساحة أو غيرها، المهم أن يضع شيئا يخصه كرئيس “هرم” يجعل التاريخ يذكره، أما بما سيذكره؟؟؟؟؟؟؟
    هذا ما سيقوله التاريخ فيما بعد…. ولنترك الحكم للأيام والشهور والأعوام

  2. نبيل رميدة

    هي فعلا منامة … الباجي … مسكون ب “عشق” الرئيس بورقيبة ” الله يرحمو … و بذكراه … لا يُريد ان يغادر قبل “الوفاء” للزعيم باعادة “الصمبة” الى الشارع الرئيسي بالعاصمة…
    المفارقات عجيبة … بين طموح التونسيين “الآن” و اختيارات سيّدي رئيس الجمهوريّة الباجي القايد السبسي …
    ربّما يكون الرجل مُحبطا من عجزه على فعل ايّ شيء “ينفع” او حاجة… يُذكرُ بها بخير حين يذكرها الناس…
    فراى في المنام بان يُسيء “في اعتقادي” لبورقيبة ” انتقاما منه … فمن الحبّ ما قتل… ربّما قيل له في يوم مّا كتلك “سمِّها سعديّة” … “بو سعديّة مشى بو سعديّة جاء” …
    او ربّما اوحى له المقربون بمثل هذا “الانجاز” المناسب جدّااااااا لمن خرِف … و بلغ ارذل العمر …
    لا ارى في اختيار سي الباجي اعادة تمثال بورقيبة اي صواب … ان هي الّا مسخرة في حقّ الرجل “الذي” نحترمه و قد فارقنا منذ 6 افريل 2000 … و منّا من لم يعُد يذكره اصلا …
    و مسخرة بالتونسيين … لانّ اعادة التمثال لن يُعيد في نفوس التونسيين الاحترام للسياسيين الآن … بعد خيباتهم المركّبة…

  3. عدنان خضر

    السؤال:لو رجع أتباع التجمع وأنصار بن علي يوماللسلطة ،هل سينصبون تمثالا لبن علي؟ ثم سيأتي أنصار فؤاد المبزع وينصبون له تمثالا ثم أنصار المنصف المرزوقي سينصبون له تمثالا وأنصار الباجي السبسي سينصبون له تمثالا و و و ولا ندري من سيأتي بعدهم فهل سنجد شوارعا وساحات لكل هذه التماثيل (الأصنام) . يغطّون فشلهم الكبير الواضح للعيان ببعض الحركات التافهة….لقد ولّى عهد بورقيبة ولتونس اليوم عديد الكفاءات والسياسيين الأكفاء فليعطوا فرصة الإبداع والتطوير والإجتهاد للرفع من مكانة الوطن والإستجابة لإستحقاقات المرحلة.

  4. نريد ان ننظر الى المستقبل ويصروا على يحبسونا في الماضي ومآل التمثال الزوال من طرف رئيس آخر كلما قرروا الرؤساء من فوق دون استشارة القاعدة ، التي تدفع الضرائب وتصرف على قراراتهم الأحادية, انصحه ان يضع التمثال في حديقته الخاصة فالذي يشتهي شيء يدريوا في عشاه

  5. عادل بوعزيزي

    السبسي الفاشل يحتمي بتمثال بورقيبة الافشل منه لينقذ نفسه

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي