الرباعي يصفع الباجي، و«الأسد» يرفض الانتحار؟

17 يونيو 2016

طلبة السنة أولى علوم سياسيّة، يتلقون خلال الدرس الأوّل، أنّ طريقة التعبير (في السياسة) تعادل في قيمتها «القول» (ذاته)، ويتعلّمون (في الدرس الثاني)، أنّ ليس كلّ ما يُعلم يُقال، وليس كلّ ما يُقال، يُقال من خلال أيّ قول….

يبدو، بل هو اليقين أن الطبقة السياسيّة في تونس (إلاّ من رحم ربّك)، وخصوصًا «الرباعي الحاكم» لم يتجاوز، بل لم يستوعب الكلمات الأولى من الدرس الأوّل من السنة الأول للعلوم السياسية:

 

عندما يطالب هذا «الرباعي» (الحاكم والماسك لزمام أمور البلد)، من رئيس الحكومة «الاستقالة»، فذلك يعني:

أوّلا: أنّه عاجز عن «إقالته»

ثانيا: أنّ كلفة «الإقالة» عالية جدّا.

مهما كان الخيار ومهما جاءت النتيجة، يكون الرباعي (الحاكم للبلد) قد اعترف بصريح العبارة:

أوّلا: أنّ الباجي قائد السبسي (رئيس الجمهوريّة) تجاوز صلاحياته سواء باقتراح «حكومة الوحدة الوطنيّة» أو بطلب (صراحة أو تلميحا) من «الصيد» الاستقالة.

ثانيا: أنّ رئيس الجمهوريّة الذي أثار هذه «المعمعة» (حكومة الوحدة الوطنيّة)، ليس في ورطة فقط، بل هو رأس هذه الورطة، حين يأتي «الخلاص» (فقط وحصرًا) من خلال «شهامة» رئيس الحكومة (هذا) الذي هو (بحسب عبد العزيز القطّي) ليس سبب البلاء فقط، بل يكاد يصبح مسؤولا عن «صلب المسيح» (عليه السلام)

 

يبدو (بل هو اليقين) أنّ الوحيد القادر على شرب حليب السباع (بعد آذان المغرب طبعًا) هو الحبيب الصيد، لا غير، حين يواصل في برودة دمّ غريبة، أداء مهامه ومواصلة عمله، ومن ثمّة، هو ليس مجبرًا أن يستقيل (بالضرورة) أو أن ينحّي ذاته، أخذًا بخاطر هؤلاء الذين يريدون «التخفّي» وراءه.

 

يقينًا ودون نقاش، تأتي النوايا غير صافية داخل الرباعي، بل يغيب الحدّ الأدنى من «حسن النيّة» أو هو (كما تقول العرب) «الوفاء بالعهد».

النداء كعادته، يطعن بعضه بألف سيف، في مقابل النهضة التي تريد أن يكون لها «خراج» الحكومة دون أن تحرّك الخنصر، في حين لا وجود لحركة «آفاق تونس» أو «الاتحاد الوطني الحرّ» سوى عند عدّ الأصوات أو توزيع المغانم.

 

أمام هذا المشهد السريالي، العبثي، الأقرب إلى الكوميديا السوداء، لم يعد السؤال عن «استقالة/إقالة» الصيد من أساسه، بل عن «المعجزة» التي ستنقذ البلاد، أو هو (هذا) الرباعي (الحاكم) من الغرق في «فنجان» حين يأتي اليقين، بأنّ (ما يسمّى) «حكومة الوحدة الوطنيّة» لا تعدو أن تكون سوى «نصيحة» البنك الدولي وأخواته، الذي يشترط «الاستقرار» (بوجود اتحاد الشغل).

lh6GuEdU_400x400أيّ بصريح العبارة وفصيح القول، لسنا (أو أنّ البلاد ليست) أمام حكومة «زعامات» ومشاريع استراتيجيّة، أو أنّها تشترط «قامات سياسيّة»، بل (أشبه بزمن بن علي) لن تزيد الحاجة أو هي لن تحتاج أكثر من «موظفين» يحسنون «التنفيذ» ويتقنون «الطاعة».

 

اليقين قائم أمام ما نرى من «عكاظيات» سياسيّة، أنّ البلاد لم تعد في حاجة إلى «انقاذ اقتصادي» في المقام الأوّل، بل إلى «حكومة انقاذ سياسي»، تعيد صياغة العقليات وتعديل المفاهيم، بأن يفهم:

أوّلا: «النداء» أو هي أجنحته المتصارعة وزعاماته المتناحرة، بوجوب التخلّي أو هو القطع مع العنتريات والخطاب الحماسي دون التفكير في النتائج «الوخيمة» دائمًا…

ثانيا: «النهضة» التي عليها أن تفهم أنّ «عدم الفعل» والبقاء في الصفّ الثاني وكذلك «الصمت» الذي يحيل على «الرضا» المشوب بالرفض، لم يعد ولن يكون، بل لن يزيد مردوده عن «حسابات ضيّقة»، حين وجب أن تخرج النهضة من ثوب «الناسك» (المتعفّف) إلى دور «الأسد» الذي لا يتقدّم إلاّ عند اليقين وكذلك (بل أساسًا) يتحمّل مسؤولاته عند الضرورة.

ثالثًا: «آفاق تونس» وكذلك «الاتحاد الوطني» الحرّ، الأشبه ببطاريّة انتهت صلاحيتها وغير قابلة للشحن، المطالبان بفهم ذلك امرؤ القيس الذي قال: «نحاول ملكًا أو نموت فنعذر»…

 

أمام هذا المشهد الذي أرادته «القوى الدوليّة» مجرّد اعداد لحكومة «برنامج إعادة الهيكلة» وحسبته مجرّد إجراء لن يأخذ وقتًا طويلا، تبيّن أنّ التفاصيل التكتيكيّة أو هي الوظيفيّة، تتطلّب هي الأخرى «ورشة» تكوينيّة، أو هي «إعادة صياغة» سياسيّة (بالكامل)…

 

المشهد أقرب إلى «مسلسل» (رمضاني بامتياز): مجرّد تفاصيل (دون قيمة) تحوّلت إلى «أمّ المعارك» في حين تراجعت «الأسئلة الاستراتيجيّة» إلى ما يشبه «أدب الخيال» أو هو «الحلم» إن لم نقل «الكوابيس»…

ستغرق البلاد في زوبعة، وسيصبح الحبيب الصيد، «منقذا» لدى البعض أو «العقدة» لدى الأخرين. هؤلاء يريدونه أن يصمد على اعتباره «السدّ الأخير» أو «الأمل الوحيد»، وأخرون يريدونه أن «يرحل» أو بالأخرى «ينتحر/يستشهد» من أجل الوطن.

 

السؤال ليس عن عبثيّة هذا المشهد، بل هو الخوف أن تنسى البلاد، تدهور الدينار وتراجع القدرة الشرائيّة والغلاء الزاحف على الاقتصاد، وتصبح «إقالة/استقالة» الصيد أمّ المعارك وأصل السؤال، بل «العقدة» التي لا يجوز تجاوزها…


تعليق واحد

  1. مادام الشعب لا تحركه إلا بطنه فهنيئا للسياسيين بفعل ما يحلو لهم…

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي