السادة «الأمراء» والكلاب «المسعورة»…

24 مارس 2017

رغم فظاعة التعبير البعيد عن أبجديات التعبير السياسي والألفاظ المعتمدة عادة على وسائل الإعلام، يأتي السؤال (معرفيّا ومهنيّا وأخلاقيّا) بخصوص ما نطق به رجل الأعمال شفيق جرايّة، حين تحدّث عن «الكلاب»، مع أنّ الكثير أو الأغلبيّة، يدرك أنّ المعنيين بهذا «التوصيف» (الحيواني) «يقبعون» في جانب كبير منهم في خانة «الصحفيين».

هل مردّ الانزعاج العارم والتبرّم الساري بين طبقات المنديات الاجتماعيّة، من التوصيف ذاته، أيّ ربط الصحفيين بحيوان يحمل أو هو يحيل على «البذاءة»، أم هو التصريح بذلك من على منبر إعلامي، حين اعتاد المتدخلون لغة أكثر لطفًا (على مستوى الشكل)، وإن كان العنف دائم الحضور ضمن المضمون؟؟؟

 

وجب الاعتراف، أنّ تونس لا تعيش «ديمقراطيّة» (سياسيّة) ولا «حريّة» (إعلاميّة)، بقدر ما هو تشظي المشهدين السياسي والإعلامي، في تداخل بين الاثنين، مع إضافة المال والدولة العميقة، إلى «كيانات» عديدة، متعدّدة، متفاوتة القدرة والمدى ومن ثمّة التأثير، لتبدو «الحرب» أو «الصراع» التي تحدّث عنه شفيق جرّاية في صورة «الديمقراطيّة» (الشكليّة) أو هي «الحريّة» (الفوقيّة)…

 

نطق شفيق جرّاية أو هو وصّف ما هو معلوم (بالضرورة) من قبل الغالبيّة الغالبة من المجتمع السياسي والوسط الإعلامي. يكفي أن يمسك المدرك لأبجديات القراءة الصحفيّة، أيّ وسيلة إعلام ليدرك سريعًا، الجهة التي يسير صاحب المؤسّسة في ركابها، سواء بمفهوم الاصطفاف الوظيفي أو التمويل المالي، كأنّنا أمام «داحس وغبراء»، أو هي حرب «البسوس» مجتمعة، مع إضافة «الدعم المالي» الموصول بقدر الخدمة وبمقدار النتائج….

chien-coit-arrachageحين نريد ترجمة كلمات شفيق جرّاية من اللسان الدارج إلى مرتبة المعرفة العميقة والدقيقة، يمكن الجزم أنّ «الولاء» (المؤقّت) ومن ورائه «الخدمة» (القذرة) ومن ثمّة «المقابل» (المادي)، تمثّل جميعها «الثالوث المقدّس» لما هو حال المشهدين الإعلامي والسياسي وما بينهما في تونس. ربّما (ونقول ربّما) يكون توصيف «الكلاب» خلّف قدرًا كبيرًا من الازعاج لغالبيّة المتلقين، الذي اعتادوا ما يمكن اعتباره «الحدّ الأدنى» (المضمون) لخطاب سياسي/إعلامي يحترم دائرة ضبابيّة من «الأخلاق» على وسائل الإعلام، لكن التوصيف لا يمكن (بل يستحيل) أن يمثّل (فقط) «كلاب» شفيق جرّاية أو ما يملك خصمه وغريمه ومن ينازعه السلطة والسطوة والرغبة في ركوب الواقع السياسي، (سي) كمال اللطيّف من أمثالها، بل هو (وهنا الخطر)، صفة تشمل الطبقة الإعلاميّة، بمعنى المتورّطة (منها) ضمن هذه «الحروب» بالوكالة، سواء ما ملك «الرجلان» أو ما يقبع في «اسطبلات» أخرين من سياسيين وأحزاب ورجال أعمال، لا همّ لهم سوى تحصيل أكبر كمّ من «المنافع» مقابل أقلّ كمّ  من«المال»، من لدن «مرتزقة» بالكاد يزينون العورة أو يسترونها بكمّ هائل من الحذلقة اللغويّة والتفنّن في اللعب بثنايا الكلام وتعاريج المعاني.

 

البعض يرى أنّ شفيق جرّاية ارتكب «جرمًا» وتجاوز «الخطّ الأحمر» وكسر «محرّمًا»، حين كشف (أو هو فضح) طبيعة ما يملك من «كلاب»، لكنّ الرجل يعلم أو هو على يقين أن عدد «الكلاب» المعروضة (أو التي تعرض ذاتها) في سوق النخاسة أرفع عددًا بكثير من ممّا هو متوفر من عروض الخدمة، وكذلك لا تنظر هذه «الكلاب» إلى كرامتها (المفترضة) في صورة «رأسمال» يمكن (أو يجب) الدفاع عنه، بل مجرّد سلعة (أي الكرامة) يمكن مقايضتها (أو حتّى التخلّص منها) حين يكون العطاء سخيّا.

 

البعض يرى ويؤكّد على «انقلاب المشهد» حين كان شفيق جرّاية اعترف وأقرّ بصريح العبارة واللفظ، بضعف تحصيله التعليمي، بل تواضع أصوله المهنيّة، ويتساءل (هؤلاء البعض) عن الأسباب التي جعلت أو شرّعت لهذا «متواضع المعرفة وقليل العلم» أن «يستكلب» (أي يتخذ كلابا) أعدادًا من الصحفيين ومن العاملين في المجال الإعلامي؟؟؟ علينا أن نميّز عند هذا المستوى بين «سلطة المال» مقابل «سلطة المعرفة»، وكذلك التأكيد على أنّ سلطة المال أرفع وأرقى وأشدّ بأسا (في تونس) من سلطة المعرفة (الصحفيّة) المفترضة، حين نرى هؤلاء «الكلاب» (بحسب توصيف شفيق جرّاية) ينفخون الصدر على الشاشات ويرفعون الصوت «دفاعًا» عن «الكرامة» (المهدورة)، دون أن ينسوا أو يغلّفوا «سلعتهم» بما هي «مزايدة» في الوطنيّة، سواء من باب الدفاع عن «الشعب المسحوق» أو مقارعة «قوى الاستبداد»…

لا يمكن لأيّ كان أن «يستكلب» الأسود، فقط يتمّ «استكلاب» (على صيغة استعباد) من هم أصحاب «قابليّة» لذلك، أيّ أنّ هذا الرجل أو غيره من الأشخاص أو الأحزاب، لم يجبر أيّ منها وأيّ كان على أداء دور «الكلب»، كما أنّها لم تصنع هذه «الكلاب» بل استعملتها ومن ثمّة لا يمكن (من منظور أخلاقي عام) أن نعيد الذنب ونردّه ونحمّله لمن هو في صيغة «الفاعل». كذلك «المفعول فيه» أو (ربّما) «المفعول فيه» يتحمّل الذنب ذاته، أو هو الأكبر…

 

شفيق جرّاية تحدّث عمّا نرى ولم يفعل سوى توصيف ما هو قائم، ومن ثمّة يأتي جرمه في «كشف المستور» لا غير. أخطر من قوله، صمت الجهات «المفترض» أن تكون «مؤتمنة» على «الأخلاق» في المجالين السياسي والإعلامي، حين أتت أقرب إلى «الزوج المخدوع» الذي سبق له «الصمت» عديد المرّات أم «زنا» زوجة تأتي أقرب إلى عاهر كعوب لعوب…

 

أخطر من الحديث عن «الكلاب» أن يصبح مثل هذا الحديث من «الأمور العاديّة»، مثل ما هي «التسريبات» التي (هي الأخرى) خلّفت لغطا شديدا وهيجان أشدّ، لكنّها تحوّلت (راهنًا) إلى أمر «ممّل»، بل ممّا لا يثير الاهتمام، أو على الأقلّ الحدّ الأدنى منه. كذلك شفيق جرّاية رفع الغطاء عن «الطبقة السياسيّة» بكاملها، ونزع «ورقة التوت» عن «طبقة إعلاميّة» (ممّن يؤدّون الدور) لن ترفع الصوت بالمرّة دفاعًا عن كرامة مهدورة، أو ربّما في صوت خافت رفعًا للعتب ودرءا للشبهة…

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي