السعوديّة ـ إيران: ظِلال من على ضَلال من؟؟؟

18 يناير 2016

مشكلة العقل العربي، سواء كان «الإسلامي» (الداعشي) أو «الملحد» (الداعشي في المقابل)، أنّه يتبنّى عند الصراع، خطابًا يستبطن أنّ «العدوّ» يتمثل نفس القيم «الأخلاقيّة/الحضاريّة» وحتّى «الإيمانيّة»، لذلك يكتفي عند الحديث عن (هذا) «الصراع» بترداد (ما يراه) «خروج الطرف» (المقابل)، عن (هذه) «الضوابط»، ومن ثمّة، تكون أشبه ما يكون بما هو «فرض الكفاية»، أو (ربّما) عوضت (هذه) «المقولات الحماسيّة» أيّ «برنامج فعلي» وأي «مجهود عملي»، سواء على مستوى «الإعداد» (للنزال) أو «الحرب» (ذاتها)…

يمكن العود إلى «الخطاب العربي» (الرسمي أو غير ذلك من «النخب») تجاه القضيّة الفلسطينيّة، لنجد أنّ الغالبيّة العظمى لهذا الخطاب مغرقة في «تعريف مساوئ» (العدوّ الصهيوني)، وكذلك «ترداد جرائمه»، كذلك الأمر في ما يحدث في سورية، حين يكتفي كامل الطيف الذي يحارب النظام القائم هناك، بهذا «التعريف» وهذا «الترداد»، كأنّما الأمر (في الحالتين)، صراع «أخلاقي» (فقط)، ومن منظور واحد.

يمكن الجزم أنّ هذا العقل المتلبّس بما هي «الأخلاق» (من منظوره) «مريض» بأتمّ معنى الكلمة، ليس فقط عندما ينغلق على ذاته، بل عندما ينكر (كلّ الانكار) أيّ دعوة لفتح العين والنظر إلى المسألة كما هي، وليس كما يحبّها هذا العقل (المريض).

 

وجب التأكيد بدءا، أنّ لا أمّة ولا دولة ولا جماعة تستطيع التقدّم أو التأسيس لمشروع (ما) خارج الاستناد إلى «منظومة أخلاقيّة» (ضمن المعنى الحضاري للكلمة)، وبالتالي لا يستقيم أيّ فعل بناء، لا يرتكز إلى هذه «الأخلاق»، لكن (وهنا الفارق) دون السقوط في مستنقع الاستبطان أو درك الوهم.

السعوديّة ـ إيران

السعوديّة ـ إيران

وفق هذا التقدير، وجب النظر إلى الصراع السعودي/الإيراني وكلّ الحلقات التي تتأسّس حوله، بدءا بما هي «القراءة المذهبيّة» (القائمة)، وصولا إلى «القراءة التاريخيّة» وما هو حجم التقاطع بين هذه الدوائر، لندرس (بعقل بارد) ما هو أداء كلّ طرف، عندما نلاحظ أوّلا (ودون الحاجة إلى تذكير) أنّ كل طرف يمتلك معجمًا أخلاقيا (قد) يتقاطع «لفظيا» مع المعجم الآخر، لكنّه يتضارب معه على مستوى التأويل والتطبيق، بدءا بشرعيّة الحكم وصولا إلى ممارسة السلطة، دون أن ننسى المفاهيم المتعلّقة بما هي «حريّة المرآة» وكذلك «التعاطي الثقافي مع الشأن السياسي»…

 

من مرض العقل العربي (هذا) أنّه يستنكف عن قبول الحقيقة المجرّدة، ويعتبرها «دعاية» (للطرف المقال)، بل يفضّل «الدوران» (المفرغ) في «مستنقع» (الوهم). عشنا فترة، كان فيها الحديث أو التذكير بما هي «نسبة البحث العلمي» لدى الكيان الصهيوني (الأرفع من مجمل الدول العربيّة)، «خيانة موصوفة»، بل وجب (وفق المذهب ذاته) أن نمارس «الكذب» وكذلك «الدجل» دون أن ننسى «الاختلاق» من باب رفع المعنويّات، كما كان في حرب 67، عندما أعلنت وسائل الاعلام (الرسميّة) عن «بطولات» اكتشفنا بعدها أنّها «نكسة» (فعلا وقولاً)….

 

الناظر إلى الصراع السعودي/الإيراني يجد صورًا مشابهة أو هي الصورة ذاتها، حين استطاعت إيران أن تبني دولة أقوى بكثير ممّا هي «الدولة السعوديّة»، التي لم تؤسّس لصناعة وطنيّة البتة، بل يمكن الجزم أنّ «الدولة السعوديّة» (في بعدها التعريفي) لا تعدو أن تكون سوى «تاجر» يقايض مداخيل النفط والحجّ، بالسلع الاستهلاكيّة والأسلحة، ضمن رؤية تختصر الوجود في «عقد اجتماعي» أساسه توفير «الرفاهيّة» وكذلك «المظلّة الأمريكيّة»…

في المحصّل، عندما نتجاوز «نرجسيات الأنظمة» (الشبيهة بنرجسيات البشر) يمكن طرح السؤالين التاليين بخصوص أيّ نظام:

أوّلا: قدرته على الثبات والوجود

ثانيا: قدرته على تحقيق النصر والتقدّم أسوة بالأنظمة التي تفوقه.

من ذلك عندما نضع أيّ نظام مقارنة بين الانظمة يكون لزامًا النظر إلى «المنظومات (الذاتيّة) المغلقة» على اعتبارها ليس فقط نقطة ضعف فقط، بل هي أشبه بالسرطان القاتل، أو هو (في بعض الحالات) غير قابل للمعالجة أو الشفاء….

أيضًا على مستوى «استقلاليّة القرار»، يمكن الجزم أنّه أحد أهمّ المؤشرات الكبرى لقياس قدرة الوجود وقدرة التقدّم، حين لا يمكن لنظام أن يخدم نظامًا أخر (بالكامل ودون حسابات) دون أن التماثل على مستوى هذا الوجود وهذا التقدّم.

 

من ذلك يأتي رفع العقوبات الأمريكيّة المسلطة على إيران ذات معان خطيرة جدّا، بل يمكن الجزم أنها أحد أهمّ التحوّلات والرهانات في المنطقة، حين عجزت السعوديّة زمن الرخاء النفطي على تأمين قدرات دفاعيّة ذاتيّة وكذلك بناء مجتمع يعتمد على ذاته، ليكون الانخفاض الحاصل في أسعار النفط (الذي ساهمت في سقوطه) من أولى الضربات ليس فقط في أساسيات هذا المتجمع، بل في وجوده أصلا، حين لا يتخيّل أحد تحوّل مجتمع الرخاء إلى الفقر، دون أن يؤدّي ذلك إلى هزّات اجتماعيّة تدكّ أسس النظام.

 

العالم العربي يغرق في مرض ذهني اسمه «الانحباس العقلي» أي ذلك الاشتراط بأن تكون العالم كما يريد أو هو يغضب من خلال الخطاب فقط، كما حال صحافة السعوديّة أو هي صحافة تموّلها السعوديّة بالأحرى من باب الخوف من الفضائح والبحث عن صناعة الصورة عندما غابت او زاغت الحقيقة…

الصدام قادم بين السعوديّة وإيران، وهو مؤجل فقط، لحسابات اقليميّة وتوازنات دوليّة، لكن السؤال عمّا أعدّ العرب (أو الجامعة العربيّة) للدفاع عن هذا «الوجود» (العربي)؟؟؟


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي