الصيد بين «قفص» الباجي و«أدغال» الغنّوشي…

7 يونيو 2016

لم ولن يشذّ «الشيخان» عن عادات بايات تونس في استقدام «المماليك» (أي العبيد) واستعمالهم في السياسة، حين يدري هؤلاء البايات، كما اليقين قائم بل أصيل في وعي الباجي والغنوشي، أنّ من يمارس السياسة دون «عزوة» (بمفهوم قبائل صعيد مصر) لن يتعدّى دوره دور «التنفيذ» القائم على «الطاعة» بل «الامتثال» دون الذهاب أبعد من الحدود المرسومة على مستوى الخيارات الاستراتيجيّة والخطط التكتيكيّة…

لم يكن اختيار الباجي والغنوشي لشخص الحبيب الصيد لمنصب رئيس الوزراء، مبنيا على «كفاءة» الرجل، أو هذه «الكفاءة» فقط، بل ليقين الأوّل وعلم الثاني، أنّ مسيرة الرجل (أي صيد) ضمن «الدولة التونسيّة» كانت وجاءت أقرب (كثيرًا) إلى «رجل التنفيذ» من «رجل السياسة»، إضافة (وهذا الأهمّ)، أنّ ليس للرجل حزبًا يسنده (لشخصه) ولا عمق له في البلاد، أيّ أنّه (مع كامل الاحترام للرجل) لا يختلف في نظر الباجي والغنوشي عمّا كانت عليه نظرة بايات تونس لهذا المملوك أو ذاك، أيّ أنهّم «مجرّد» أدوات لا قيمة للواحد منهم في ذاته، بل فقط وحصرًا في قدرته على خدمة «أسياده»…

 

من التأكيد (بشهادة التاريخ) أنّ من هؤلاء «المماليك» من تجاوز سقف «العبوديّة» وارتقى إلى مراتب عليا (في المجتمع والدولة)، لكن الأكيد (بشهادة التاريخ كذلك) أنّ المئات بل الآلاف، كان مصيرهم الاقصاء أو هي التصفية الجسديّة.

لذلك يأتي مفهومًا بل طبيعيّا، أن تذهب أحلام الصيد ويسرح به الخيال أبعد من «الحدود الشرعيّة» التي رسمها الباجي وخطّها الغنوشي، لكن يعلم هذا الرجل، أنّ أمثاله في تونس بالعشرات أو هم بالمئات، لا يقلّون كفاءة، وأساسًا (وهنا الأهمّ) يفوقونه (ظاهريّا) على مستوى «الطاقة» والقدرة على الامتثال.

 

من ثمّة، لا يمكن أن تأخذ مسألة وجود الصيد على رأس الحكومة، أبعد من «غطرسة» الباجي وكذلك «دهاء» العنوشي، وسط ما يحاول الرجل أن يثبت أمرين:

أوّلا: أنّه (بحكم الدستور) لا يمكن أن يكون ذلك «المملوك» الذي يمكن صرفه متى شاءت «الإرادة العليّة»، ومن ثمّة يملك هو الأخر مجال للمناورة،

ثانيا: أنّه (بحكم الواقع التونسي وما قدّم من أداء) يأتي أفضل الخيارات (أو من أفضلها على الأقل)، حين ثبت (بالدليل المادي القاطع) أنّ «ذئاب النداء» تملك من «الشهيّة» للحكم ما يجعل الباجي وشريكه الغنوشي وجبة سائغة (إن استطاعوا)…

lion-images-14وجود الصيد أو عدم وجوده، لا يمكن ويستحيل أن يتحوّل إلى «أمّ المعارك» التي من أجلها سيقاتل هذا الفريق ذاك، قتالا مستميتًا حدّ «النصر» أو «الشهادة». الرجل يبحث عن مكان له تحت شمس السياسة التونسيّة أوّلا، وثانيا أن يثبت أنّه «أفضل الحلول» أو «أقلّ الحلول سوءا»، لعلمه أن الباجي يخاف من «ذئاب النداء» على ذاته ومنصبه أوّلا، وكذلك على «ميراث ابنه»، في حين يخاف الغنوشي من هؤلاء، ليقينه أنّ الواحد منهم لن يتورّع عن «التحالف مع الشيطان» (ضدّ النهضة) للوصول إلى «الكرسي الأعلى» في البلاد..

 

المسألة أعمق من وجود الصيد أو عدم وجوده، وأخطر (بمفهوم الأهميّة) من اختيار هذا الشخص أو ذاك لرئاسة الحكومة، بل هي تتعلّق (وهنا المعضلة) بإيجاد توازنات داخليّة قادرة على الاستقرار وخصوصًا «الثبات» أمام «الهزّات» الاجتماعيّة القادمة بالتأكيد، حين تأتي نصائح/شروط المؤسّسات الماليّة الدوليّة ذاتها منذ عقود: بإلغاء «صندوق الدعم» (أو تخفيض تدخله إلى أقصى حدّ)، والتفويت في مؤسّسات القطاع العام، وترك قطاعات التعليم والصحّة خصوصًا بيد «السوق» وفق قاعدة «العرض والطلب»…

أمام هذه «المصائب» (بأتّم معنى الكلمة)، تأتي مشاركة اتحاد الشغل (أو هو موقفه من الحكومة) أهمّ ألف مرّة من بقاء الصيد أو مغادرته (هو أو غيره)، لأنّ الاتحاد (إضافة إلى النهضة والنداء) يملك عمق تنظيميّا جيّدا، وكذلك قدرة على تحريك الشارع وتنظيم الاحتجاجات. من ثمّة يأتي «توريط» أكبر النقابات في البلاد شرطًا متأكدًا، بل ضروريا، لضمان نجاح «برنامج الاصلاحات الهيكليّة» هذا….

 

في خضم هذا الأفق المسدود أمام الطبقة السياسيّة، بين «لزوميات» البنك الدولي، ومعركة «الذئاب» أو هي رقصتها حول «غنيمة» السلطة، يملك الحبيب الصيد حظوظا معقولة في مواصلة المشوار أوّلا، وثانيا في أن يكون «رجل المرحلة» على مستوى التنفيذ والذهاب بما هي «سياسة الدولة» من «تقشّف» أي التخفيض في الانفاق والرفع من المداخيل…

 

يمكن الجزم أنّ معركة الحبيب الصيد (التي افتعلها الاعلام) لا وجود لها، أو هي أقّل من زوبعة (صغيرة جدا) في فنجان «لا قيمة له»، ليس فقط لما لهذا الرجل من «مميّزات»، بل (وهنا السؤال والقضيّة) أن إملاءات البنك الدولي وشروطه، تتجاوز (بكثير جدا) صراعات «الذئاب» وكذلك معارك «الاقطاع» (السياسي) الذي لا يزال (منذ عهد البايات على الأقلّ) يعشق «معارك الوهم» وكذلك «افتعال الملاحم»، ومن ثمّة «صناعة الفرجة» لأنّ السياسة في هذه البلاد، كما في مثيلاتها، تحتاج قدرًا من «الغرائبيّة» التي (قد) تجعل من الصيد ذلك «الأسد» (فعلا) القادر أسوّة بأسطورة «رأس الغول» على هزم الجميع والجلوس على عرش قرطاج…


36 تعليقات

  1. تعقيبات: true religion for sale

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي