الصيد بين قنفد الذبح وكبش الفداء….

30 يوليو 2016

حين نريد تبسيط «أحجية» الحبيب الصيد وكذلك «مسلسل» مغادرة منصب رئاسة الحكومة بين استقالة أو هي الإقالة، بين عدم التجديد أو حجب الثقة، وجب القول أنّ من «جاء بالرجل»، أراد منه أو هو طلب أو أكّد على «الانصراف» على اعتبار أنّ الحبيب الصيد لا سند حزبي ولا عمق شعبي له، بل هو (وقد تمّ اختياره لذلك) «مقطوع من شجرة» الدولة، أيّ ذلك «الفرد» العاجز عن الحديث بضمير «الجماعة» خارج ما يوفّر له «الانتداب»…

هم فهموا (أي من انتدب ومن طالب بالمغادرة)، أنّ الرجل سيكون محكوم بما هو «الانتداب» (بالمفهوم الكروي)، وكذلك بما كانت من «تفاهمات» قائمة على موازين القوى ومراكز النفوذ.

 

هذا «الرجل» (أي الحبيب الصيد) نسي أو تناسى منطق «الانتداب» وكذلك «التفاهمات» التي جاءت به، بل راح «متشبّثا» في «صدق الأنبياء» بما يقول به «الدستور»….

 

هو بالمحصل صراع بين «منطق القوة» الماسكة لجدلية الممارسة السياسيّة، مقابل «منطق الدستور» الذي من «المفترض» أن تسير وفقه هذه «الجدليّة» الماسكة أو هي «الضابطة» لهذه الممارسة السياسيّة.

Essidهو انفصال بين منطقين متضاربين بل هو «انفصام» بمفهوم «علم النفس السريري»، حين تتحدّث الطبقة السياسيّة برمتها من خلال «منطق الدستور» وتتصرّف وفق «منطق القوّة»، ممّا خلق حالا من عدم الاستقرار، أو هو «الاستغراب» خاصّة من خارج تونس، أين يتمّ النظر إلى «الانتقال الديمقراطي» في صورة الدرب الذي سيحمل أو هو بصدد الذهاب بالبلاد (من خلال «الثورة») إلى «الديمقراطيّة» (الكاملة والمكتملة)…

 

وجب فهم حالة المرض (هذه) والغوص من خلالها إلى الواقع السياسي التونسي، ومن ثمّة البحث عن الأسباب أو الذهاب في قراءة النتائج الممكنة والمحتملة، حين يؤسّس «الجميع» على قاعدة النوايا المنقوصة والتمنيات الناقصة، لما هو «الغد الأفضل» أو «المستقبل المزهر» الذي على أساسه ووفق قواعده، جاء التخلّي عن الحبيب الصيد…

 

يمكن الجزم أنّ سبب إقالة الصيد لا تعود إلى أيّ «فشل» (كان)، فقط وحصرًا، رفض الرجل أو هو عناده وعدم قبوله «البقاء» ضمن «عباءة» الطاعة التي جاءت به أو جاء من خلالها. «الشيخان» (الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي) يرفضان بل لا يقبلان البتّة أيّ «خروج عن النصّ» الذي سطرّاه، حين حاول الحبيب الصيد أو هو أحسّ بما يملك من قدرات وما هي سلطاته (وفق الدستور)…

أزمة جديدة، بل عميقة وأصيلة، لا يمكن اختصارها في هذه «الحكاية»، بل الحبيب الصيد وما هو «موّال» مغادرة قصر القصبة، لا يمثّل سوى «الجزء الظاهر» من جبل الجليد الذي من الأكيد أنّه يتربّص الحكومات القادمة في حال تجرأ رئيسها أن يجاهر بأيّ «تمرّد»…

 

هناك ازدواجية رؤية بين «نظرتين»:

أوّلا: البعد الديمقراطي وما أفرز من «مجلس تأسيسي» ودستور حسبه قسم كبير من التونسيين أنّه القادر بل «كلمة السرّ» التي ستفتح جميع «المغارات» دون استثناء

ثانيا: موازين القوى على الأرض، التي تتجلّى بل تبرز في أعظم تجلياتها من خلال «توافق الشيخين»، خاصّة الباجي، الذي لم يفهم أو لا يريد أن يفهم، أنّه ليس «وريث» الحبيب بورقيبة وليس «صورة» زين العابدين بن علي على الأرض، حين تصرّف الباجي ولا يزال في صورة «الزعيم الأوحد» وليس «رئيس جمهوريّة»، يتقاسم «السلطات» مع «رئيس الحكومة» الذي ينال القسم الأوفر من هذه «السلطات»…

تونس أسيرة أو هي ضحيّة «ازدواجيّة الرؤية» (بين الواقع والدستور) وكذلك «مرض الوهم» (لدى الرئيس)، دون أن ننسى طبقة سياسية برمتّها، لا تزال تفكّر عكس ما تقول، وتقول نقيض ما تفعل، ومن ثمّة وجب العود بالمعادلة أو بالرؤية أو هو البحث، إلى «الجذور المؤسّسة» لهذه «الحالة المرضيّة»…

 

ضمن هذا الواقع «السريري» لم يعد من الممكن الحديث عن «ثورة» ضاعت، أو «ديمقراطيّة» ماعت (من الميوعة)، في حين بقي، بل ترسّخ (مفهوم) «الاستقرار» سواء في بعده الضامن لمصالح الجهات ذات النفوذ، السياسيّة منها أو «الجهات النافذة»، أو «ضمان» مصالح الجهات الاقليميّة والأطراف الدوليّة، التي تقرأ «الواقع التونسي» من خلال المصالح ولا شيء غير المصالح…

 

تعكس حالة الاسترخاء أو هي الراحة وما تحمل من أمل وما تحيل عليه من تفاؤل بما هي «حكومة الوحدة الوطنيّة»، على ما يحمل العمق التونسي أو ما يعيش من «ارتجال» أو هي «العصبيّة» التي جاءت نتاجًا طبيعيّا لذلك «التأرجح» أو هو «التذبذب» بين «منطق الدستور» مقابل «موازين القوى» وكذلك «مرض الوهم» الذي تعيشه قيادة البلاد ومن ثمّة العمق السياسي بكامله…

 

مغادرة الحبيب الصيد التي نظّر لها البعض على أنّها «باب خير» على تونس، لن تزيد عن وضع البلاد في حالة «ثور الساقية»، الذي هو عاجز عن الفهم أنّه يدور حول نقطة واحدة، بل هو لا يغادر بعض الأمتار المربّعة…


210 تعليقات

  1. الآن بعد اسقاط الحكومة … المرور مباشرة الى حلّ مجلس نواب الشعب…..هل من مؤيد او رافض ؟؟؟

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي