العريض: من ضيق الرؤية، إلى السطو على بورقيبة

16 مارس 2016

بين أقوال الراحل المنصف بن سالم عن بورقيبة، وكذلك ما يتداوله (راهنًا) جزء غير هيّن من قواعد النهضة عن «مساوئ الارث البورقيبي» (الحداثي) وما «خلّف من دمار» (على المستوى الديني وبالتالي الدنيوي)، من جهة، مقابل ما قاله الأمين العام لحركة النهضة علي العريض في المنستير من تمجيد لبورقيبة، يقف المراقب، بل عالم النفس، حائرًا ومندهشًا من أمرين:

أوّلا: حدّة «الانقلاب» الحاصل أو هو (بلهجة ألطف) «التحوّل الرهيب» في مواقف حركة النهضة، التي كانت (في ألطف توصيف) تعتبر أنّ بورقيبة «لم يخدم الدين»، من جهة وبين ما أقدم عليه علي العريض، والذي ينظر إليه «البورقيبيون» على اعتباره «سطوًا» (بأتمّ معنى الكلمة).

ثانيا: حدّة «التناقض» الحاصل أو هو (بلهجة ألطف) «الانفصام» (المرضي) بين قيادات، قالت وتقول ومن المؤكّد أنّها ستقول (في بورقيبة) ما لم يقله لم يقله مالك في الخمرة، وبين ما لايزال جزء غير هيّن من قواعد النهضة يردّده، بل يؤمن به ويتبنّاه، من «تناقض مشروع النهضة» مع «المشروع الحداثي لبورقيبة…

الغنوشي-بورقيبة

الغنوشي-بورقيبة

في الأمر ما يدعي إلى السؤال والتساؤل، أبعد من «توصيف» المراجعة أو النقد الذاتي أو غيرها من التعابير المماثلة، حين نرى النهضة (القيادة السياسيّة) تذهب في طريق وتسلك دربًا، لم يكن الخيال يتّسع له البتّة، بل كان من سابع المستحيلات أو هو «الجنون» بل (في رواية أخرى) «الكفر» (بعينه).

 

السؤال يتجاوز (بكثير جدّا) ما نراه من «قراءة» للنوايا، وتفسير «المقاصد» وذهاب نحو قراءة المشهد من خلال «حرب المواقع» القائم على «صراع المواقف»، بل البحث عن «الدوافع» (الحقيقيّة) وكذلك «المرامي» (الحقيقيّة كذلك) التي دفعت أو هي جعلت النهضة تسلك هذا الطريق…

 

يمكن الجزم دون أدنى نقاش، أنّ النهضة (العقل المدبّر) لا يريد فقط تجاوز «قطيعة الماضي» التي تأسّست على الصراع بين كلّ من المشروعين «الحداثي» في مقابل «الإسلامي»، بل (وهنا السؤال والخطورة)، تريد أن تجعل «التنافذ» على أوسع نطاق بين القطبين، إن لم يكن «التوافق» أو ربّما (ونقول ربّما) «التطابق» بين الطرفيّن…

تقف النهضة ويقف الطيف الذي يخاصمها نيابة عن «المشروع البورقيبي» على شلّال من الدماء بينهما كمّ هائل من الآلام والدموع وكثير من الأحزان التي لا تزال ليس فقط تؤثّث الذاكرة، بل (وهنا خطورة مسعى النهضة) تؤسّس جزءا هامّا من صراع «الآن وهنا»…

 

في هذا الصراع يتوقّف «الزمن الايديولوجي» عند الكثيرين، بل يأتي المشهد أحيانًا (على المنابر الاعلاميّة) بين سياسيين مخضرمين، أشبه ما يكون بصراع «طالب اسلامي» مع «نقيضه اليساري» زمن «عزّ الجامعة التونسية» في ثمانينات القرن الماضي.

 

عاد بورقيبة أو تمّ استدعاؤه من قبل طيف يدّعي بنوّته أو أنّه وريثه الوحيد، بل الشرعي الذي ليس له «شريك»… طيف لا يزال يحلم بل يسعى ويجتهد لتثمين «صورة المجاهد الأكبر» وتاريخه في زمن «ثورة» لم تنتج «مجاهدًا» (واحدًا) حاز مثل ما لبورقيبة أو بعضًا من مجده. بل (وهنا الغرابة والسؤال)، يعود بورقيبة «بطلا» وكذلك «زعيمًا» وفوق ذلك «مجاهدًا» في زمن ثورة مات قبل أن يراها، ومن الأكيد أنّه لم يكن يرضاها أو يرضى عليها…

تحاول النهضة أن تسحب أيّ بساط من تحت أيدي خصومها، بل كذلك «المشاركة» أو هو افتكاك أيّ جزء (مهما كان) من (هذا) «الأصل التجاري»، الذي خرج من المتاحف إلى تجارة «الانتيكه»…

 

لم تكن النهضة ترضى عن بورقيبة الفكر والممارسة والرجل، وهو الذي طالب وأصرّ على اعدام قيادتها، وهو الذي وضع نفسه نقيضًا بل نافيا لما يمثّل «الإسلام السياسي» من فكر وممارسة وقيادات ورموز، لذلك يستحيل على «العقل النهضاوي» أن يمحو إرث الماضي بدمائه وآلامه. ربّما يغفر ويسامح من منظور «ذكر مآثر الأموات»، لكن أن يتحوّل بورقيبة «زعيمًا في عقل النهضة»، فذلك من سابع المستحيلات…

هي غريزة البقاء، تتحرّك في المعارك الكبرى والنزاعات المفصليّة، حين تركب المستحيل ضمن «فقه الضرورات»، الذي يبيح (في المجمل) ما هو «محرّم» (في العادة)…

 

ليس غريبًا وغير مستبعد، أن يخرج راشد الغنوشي (فقيه النهضة ومرشدها) على الناس، ويعلن في الملإ أنّ «النهضة مؤتمنة على الفكر البورقيبي» على اعتبارها (في الآن ذاته)، «الأقرب» (إلى الرجل) ومن ثمّة «الأقدر» على حفظ تراثه…

دون مزاح أو فذلكة، ما تمارسه النهضة من سياسية «القطرة قطرة» وكذلك سياسة «خذ وطالب» وأساسًا «سياسة المراحل»، يجعلها «ممارسة» الأقرب إلى الفكر البورقيبي، وأساسًا تؤكّد أنّ التلميذ (الغنوشي) ليس فقط فاق أستاذه «بورقيبة»، بل ذهب بفكره درجة لم يفكر بورقيبة بلوغها…

 

للتاريخ (فقط): يُحكى أنّ أحد اللصوص أراد تلقين ابنه هذا «الفنّ» (النبيل)، وراح يسرق البيض من تحت «حمامة» تحضن بيضها، فكان كلّما سرق الأب بيضة إلاّ سرقها منه الابن…


3 تعليقات

  1. محمد علي كيلاني

    أردت فقط أن اعبر عن إعجابي بالمقال. تحياتي الحارة

  2. تهافت الخوف المسيطر افتعالا على عقولهم الحبيسة واستشرافهم الضيق لقراءة الآتي وهوسهم بالكراسي وفكرهم المستعبد (بفتح الباء يعني لا فكر فالفكر حرا أو لا يكون) جعل حركتهم في ارتعاش دائم “يحسبون كل صيحة عليهم” فلا نستبعد كتابة مرشدهم مجلد في “مقاصد الفكر البورقيبي”. سكر القناة سي فلان

  3. عبد الستار فرح

    الغنوشي يبحث عن اختراق العقل المراة التونسية التي تعتقد ان مجلة الاحوال الشخصية هي الضامن الوحيد لاستمرار عنتريتها في تونس و ان الاسلام بالنسبة للمراة التونسية اصبح كابوس يرعبها لفهمها الخاطي و كلي عن الاسلام
    و بما ان نسبة كبيرة من نساء تونس اصبحن يرين ان الحرية هي عدم التقيد بالحشمة و الثقافة العربية الاسلامية و تقليد الاعمي الذي تعيشه هو الحرية كان لزاما علي كل من يريد ان يلعب في ملعب السياسة ان ينافق نفسه و يظهر جراة اكثر من بورقيبة الذي فتح باب الخروج من البيئة الاسلامية الي الماسونية ان يفتح امام المراة لاستقطابها ابواب من شماعات الواهية لجلبها الي مستنقعه و سلب دعمها له
    المهم في النهاية للسياسيين الغاية تبرر الوسيلة و هكذا هم سياسيوا الغلبة في تونس و ربما العالم باسره نفاق و كذب و دعاية مع توفر هالة كبيرة من الجهل تساعدك علي استعباد ما تشاء من اكلي فحم

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي