العقل السياسي العربي في شرك الوعي «الصهيوني» بالمخططات: الخطأ و الخطيئة.

7 أغسطس 2017

بقلم محجوب النصيبي  ـ سيدي بوزيد

مقدّمة:

يضع محجوب النصيبي، من خلال هذا النصّ، قراءة للعلاقة بين العلم والمعرفة والدراية والوعي بما هي المشاريع الصهيونيّة، في علاقة بطبيعة «النظام الرسمي» العربي، سواء على مستوى التعريف والماهيّة، أو كذلك الدور والمسؤوليّة، سواء تجاه مسائل الديمقراطيّة الاقتصادية أو الحريّات والرفاه الاجتماعيّة من ناحية، أو مجابهة المشروع الصهيوني، والعلاقة بين الدورين.

نصر الدين بن حديد

 

المخططات التي رسمت وترسم للمنطقة العربية منشورة ومعلومة من قبل الجميع. هل دوائر القرار الصهيونية على قدر من الغباء لتنشر مخططاتها فيعلم بها العرب ويأخذون حذرهم؟؟ هل العدو الصهيوني يمثّل فعلا الخطر الأكبر على الوطن العربي؟؟ الاجابة تأتي على لسان أحد محلليهم «اسرائيل شاحاك»، تكشف حقيقة الأمر، حين يقول «يحبذ الخبراء الصهاينة نشر استراتيجياتهم المستقبلية علنًا لتوعية أكبر عدد ممكن من اليهود والإسرائيليين بها، دون أدنى قلق من إطلاع العرب عليها، فإمكانية تصدي حكوماتهم لتلك الخطط إزاء معرفتهم بها شبه معدومة».

إجابة هذا الأستاذ بإحدى جامعات الكيان الصهيوني والمحلل السياسي، توضّح أن العدوّ كامن في حكومات وأنظمة رسمية، دون أدنى امكانية للتصدي لتلك الخطط، وما النشر الا لتوعية الصهاينة بها. إطلاع النخب العربية على تلك الخطط والوعي بها، يتقاطع مع وعي الصهاينة، لتقف المقارنة عند هذا الحدّ، فترتفع الاصوات في كل مرة مؤكدة أنّ هذا مخطط ومبرمج ويمثّل هدفًا من الاهداف متوسطة أو بعيدة المدى، ثم يكون سؤالنا عمّا يلي هذه الصرخات؟؟؟

 

يتوقف الامر عند هذا الحدّ، فلا يتم التوجه مباشرة الى أصل المشكل، الكامن في النظام الرسمي العربي، الذي لا يملك أن يتصدّى لتلك المخططات أو إيجاد البدائل لإيقافها أو حتى تعطيلها، عسى أن يولد من رحم الاجيال القادمة من يقتلعها من جذورها. لا يمكن أن نوقف في وجه ما يُصاغ لنا، ما لم نمتلك أدوات المواجهة واليات التصدي، التي ـ للأسف ـ بيد أنظمة جثمت على صدورنا طويلا واختارت أن تكون وكيلا للاستعمار، تدافع عن مصالحه وتؤمّن له هذه المصالح في كل شبر من الارض العربية، مقابل ثمن بخس مقداره الاستمرار في الحكم لأطول فترة ممكنة.

إنّ أيّ مواجهة مع الكيان الصهيوني خاسرة في ظل وجود من لا مصلحة لهم بالديمقراطية، خاصة ديمقراطية الاقتصاد. قد يقبلون أنّ يلوّن حكمهم ببعض الحريات السياسية و المدنية وهي في الأخير حريات «سلبية» لا تؤمّن حاجيات الناس، لكن هذه الأنظمة لن تقبل ـ بحكم تعهداتها للخارج ـ بإجراء مراجعات عميقة على مستوى المنوال الاقتصادي، بما يمكن أن يؤمّن الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعية للمجتمع بأسره.

MNإنّ ما تدفعنا اليه المقدمات التي أحدثها زلزال 17 ديسمبر، تبدو للوهلة الاولى جنونية وقد جعلت طيفا واسعا من الاغلبيات الاجتماعية تكره الفعل السياسي وتجرّم السياسيين، جامعة في سلّة واحدة كل متعاط مع الشأن السياسي سواء كان متحزبا ينشد حزبه السلطة (وتلك طبيعة التشكيلات الحزبية فهي ليست جماعات خيرية بل جماعات ضغط تدافع عن مصالحها ومصالح منتسبيها وغرضها الوصول الى الحكم)، أو ممن يتعاطى الشأن السياسي دون تحزّب، فتعاظمت الهوّة بين مكونات المشهد السياسي من جهة، مقابل عامّة النّاس، ليقع شيطنة وتكفير كلّ ممارسة سياسيّة، ممّا رفع من منسوب الشعبوية، عند التعاطي مع المسائل الحساسة النابعة من عمق المأساة، لنجد أنفسنا أمام منظومات حكم مستعدة لتدمير ما حولها وإحراق الأخضر واليابس من أجل البقاء أو التمكين. صفقات و توافقات ولجان تقريب وجهات النظر دون الغوص في عمق المشكلات اليومية وهموم الناس من استحقاق الحريّة بما هي شغل وكرامة. جاءت كل التوافقات ترضيات وفق مبدأ «المنطقة الوسطى»، فيتم التنازل عن المطلوب و صياغة ما لا يضر بالأطراف المتوافقة فتم التنازل عن المحاسبة، و عن كشف حقيقة ما جرى منذ اعلان الجمهورية، دون فتح لملفات الفساد، التي أعدّوا لتبييضها «قانونًا». كما تم التخلي عن التدقيق في المالية العمومية خاصة القروض التي حصل عليها نظام بن علي خلال فترة حكمه أمّا ملفّ الخصخصة والتفويت في المؤسسات العمومية، فلم يتم التطّرق اليه، لا من قريب ولا من بعيد، حين مثّل فالمستفيدون جزءًا من منظومة الحكم، بل هم الحاكمون اليوم بأمرهم

ان العقل السياسي العربي في ظل المتغيرات الدولية الكبرى التي يشهدها العالم، يثبت بما لا يدع مجالا للشك ما قاله «إسرائيل شاحاك» من أنّه «حتى أولئك الذين يتصايحون للتحذير من مخططات الأعداء، يفعلون ذلك بناءً على أوهام يتخيلونها وأساطير يتداولونها، وليس على أساس معرفي علمي»، فأهمية معرفة ما يحاك لهذه الامة مرتبط ضرورة بما يتوجب اتخاذه من إجراءات لمواجهة تلك الخطط، حين لا يكفي الصراخ في المنابر وعلى وسائل الاعلام واثبات امتلاك المعلومة، بل لا بدّ من تحليل تلك المعلومة وامتلاك قدرة التأثير في القرار وتغيير السياسات في كل دولة عربية حتى تستجيب السلط الحاكمة، بأن توجه طاقات المجتمع وإمكاناته، لتأمين الجبهة الداخلية عبر توفير احتياجاتها وهو ما يجعلها في موقف قوة للردّ على أي مخطط مهما كانت درجة خطورته

اصبح لزاما على العقل السياسي العربي ان يفكر منطقيا و ينحو منحى علميا في التعامل مع الواقع، فخارطة العمل العالمي بصدد التغير والتقسيم الجديد للعالم لن يكون بإعادة رسم الحدود المصطنعة، بل بإعادة توزيع الأسواق وتقاسمها بحسب رغبات واهواء الشركات المتعددة الجنسيات، ومعظمها عبارة عن مافيات تبييض أموال و«كارتيلات» تحمي مصالح الصهيونية العالمية بكل الوسائل أولها أنظمة على المقاس.


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي