النداء: من التجارة بالجملة إلى فوضى الانتصاب…

14 يناير 2016

لا أحد يملك القدرة فعلا، أو يدّعي دراية بعدد الاستقالات أو الانسحابات أو التجميد أو غيرها من التسميات المشابه، داخل «العائلة الموسّعة» لنداء تونس، حين تتهاطل الأخبار ولا تكفّ عمّا يمكن أن نعتبره (دون أدنى شكّ) «بداية النهاية»، على الأقلّ لذلك «الحلم الأكبر والجامع» بأنّ يكون النداء (في الآن ذاته) «الركيزة الأولى والأهمّ» لما هو مطلوب محليّا واقليمّيا ودوليّا من «استقرار»، وثانيا (ولا يقلّ أهميّة) «السدّ الأكبر والمانع» أمام «صعود الإسلاميين» (في الأوّل) ومن بعدها «استفرادهم» بالحكم…

«كان صرحًا، فهوى»، على حدّ المقولة أو هي الأغنية الرائجة، بين أسباب «موضوعيّة» حين لا يمكن لهذا «التجمّع» (أيّ تجمّع العائلات المعادية للنهضة حينها)، وكذلك «التجمّع» (الدستوري الديمقراطي في نسخته الجديدة)، أن يعكس «منطق التاريخ» وكذلك «جدليّة المنطق»، حين بنى بورقيبة ومن بعده أسّس بن علي الحياة السياسيّة برمتها على «فردانيّة» (الحاكم) أمام «انتهازيّة» (المحكوم، بل أنانيته)…

«معاداة النهضة» أوّلا، وكذلك «النجاح» في افتكاك السلطة منها (من خلال «الحوار الوطني)، ومن بعد ذلك «الارتقاء إلى المرتبة الأولى» حسبتها (هذه) «العائلة الندائيّة» ليس (فقط) «نهاية المشوار النضالي»، بل (وهنا الخطورة ولبّ المسألة)، «موسم جني» وكذلك «توزيع الأرباح»، مع فارق هامّ وأكيد عن أيّ «استثمار فلاحي أو في البورصة»، أنّ الجميع يريد أن ينال «النصيب الأوفر»، بل «نصيب الأسد»، إن لم نقل «أن يستفرد» بهذه «السلطة/الغنيمة»، حين كان (وهنا الفارق المعرفي/الفلسفي/السياسي)، بورقيبة ومن بعده بن علي، يوزعان العطايا ويقسمان الإقطاع وفق نظريّة «السيطرة بالقوّة» وليس «قوّة القناعة»…

جاء الباجي قائد السبسي، رغم ماضيه الحافل وذكائه بل دهائه الملفت للنظر وأيضًا قدرته على «الصعود» إلى مرتبة «الأبّ الراعي»، جاء عاجزًا كلّ العجز عن «لجم» هذه «الذئاب الجائعة» (أوّلا) وثانيا (وهنا الخطر) عاجزًا عن تأسيس «منطق القوّة» (كما حال بورقيبة ومن بعده بن علي) الكفيل بجعل الحالمين أو الراغبين في التطاول يعاودون التفكير ويعيدون الحساب.

 

حروب ملوك الطوائف

حروب ملوك الطوائف

افتتح محسن مرزوق هذا «الحفل الراقص» بمعيّة «شريكه» (السابق) محمّد الأزهر العكرمي، حين تخيّل الباجي أنّه في «دهاء بورقيبة» مقرونة بما كانت «قوّة بن علي»، خصوصًا مع دخول نجله حافظ «المشهد» بقوّة، ممّا عكّر صفو المشهد، وجعل «الورثة» (دون ترتيب) يعتبرون «هذا الدخول» تجاوزًا لما يرون أنّه حقّهم وما هم أحقّ به، سواء من توسيع دائرة نفوذ كلّ منهم أو (وهنا الأهميّة) احتلال المرتبة الثانية في الحركة، ممّا يدفع بصاحب هذا «المنصب» إلى «عرش قرطاج» الذي تقول «الألسن الخبيثة» أنّه «معروض على من يملك قدرة افتكاكه»، كمثل ما فعل بورقيبة مع الأمين باي، فعل بن علي مع بورقيبة…

لا يسطر على «العقل الندائي» منطق «الربح» (بالمفهوم الذاتي) فقط، بل الأخطر والقادر على الدخول باللعبة إلى متاهات مفزعة، منطق «حرمان الأخرين»، بمعنى أن الجميع (دون استثناء) يفضل «تدمير المعبد بمن فيه» على أن يخرج «من المولد بلا حمص». هذا ما يفسّر كثرة «الطامحين/الطامعين»، بدءا برجل الأعمال وصاحب اليد الطولى في النداء فوزي اللومي، الذي يرى نفسه (مع ما يحصل) في صورة «المغبون» (حقّا)، حيث نال (حسب رأيه) من هو «أقلّ قوّة منه» ما «لا يستحقّ»…

يستحقّ النداء لرأب جميع شقوقه أو انشقاقاته جهاز كمبيوتر مجهزّا ببرنامج (كما كان افتراضا زمن بورقيبة وبن علي) يوزّع المراكز والمناصب والعطايا، مسنود بما كان لبورقيبة ولبن علي من «قوّة ضاربة»، حين كان مجرّد «عدم الرضا» عبارة عن «كفر» بالنظام، يلقى صاحبه «الاقصاء» (الكامل) وحتّى (أقصى) «العقاب»…

 

من السابق لأوانه، الجزم أو القول إلى أيّ حدّ سيتفتّت النداء، حين زاد عن «حروب الردّة» ما هو أشدّ من حروب «ملوك (هذه) الطوائف» بحثًا عن توسيع «المجال» والذهاب نحو (وهم) «إعادة بناء النداء» على «مقاس (هذا) الزعيم (أو ذاك)»…

محسن مرزوق دخل في معركة كلاميّة مع حمّه الهمّامي، لأنّ هذا الأخير يعلم أنّ عين (سي) محسن تطمع في تحصيل «ما استطاعت إليه سبيلا» من عمق «الجبهة الشعبيّة»، خاصّة وأن (سي) محسن، يعتبر نفسه «من أهل البيت» نظرا لماضيه ضمن «عائلة الوطد»، ومن ثمّة يكون خوف حمّه ليس مشروعًا فقط، بل مبرّرًا بالصوت والصورة، حين يملك (سي) محسن من المال والعلاقات الدوليّة أكثر ممّا يقدّر حمّه من «نضال وسجون» أو حتّى «الدفاع عن الطبقة الكادحة»….

انفجار النداء، سيحدث أو هو أحدث (أو بدأ في احداث) «زلزالا» (بأتمّ معنى الكلمة). فوزي اللومي (مثلا) الذي (بمنطق التجارة وروح رجل الأعمال) فضّل (حدّ الساعة) المراهنة على «الرفض من داخل الماكينة»، ليس «خوفًا فقط»، بل ليقينه (وهو الذي يلعب بالمال) أنّ «فقدان (النصيب من) الأصل السياسي» بالمجان، أي المغادرة (كما فعل محسن مرزوق) لا يعدو أن يكون سواء «خسارة». لذلك فضّل أن يؤسّس (بالمفهوم التجاري) «علامة خاصّة»، أطلق عليها تسميّة «تيّار الأمل»، مع ترك الأمر في موضع «الشبهة»، حين يأتي «داخل الحزب» لمن يريده «داخل الحزب» وخارجه لمن يريد أن يراه في الخارج. أيّ بالتعبير الدارج، يقف فوزي اللومي في «سقيفة الحزب»، لا هو في الخارج فعلا، ولا هو في الداخل بأتمّ معنى الكلمة…

كمثل «ملوك الطوائف» في الأندلس، يلهث «ملوك النداء» خلف السراب ويركضون خلف الوهم (بدرجات متفاوتة)، حين لا أحد منهم، يملك القدرة على العود إلى «العصر الذهبي» للنداء أوّلا، وثانيا وهذا الأخطر، أنّ «حروب الاسترداد» (هذه) ستكون مدخل التفتيت أو هو المزيد من التشرذم، مع ما يعني ذلك من تأثير سيء على المشروع «التجمعي/الدستوري/البورقيبي» (أوّلا) وخطورة أن يذهب القتال بين «الاخوة الأعداء» أبعد (بكثير) من «الخطوط الحمراء» المرسومة (اقليميا ودوليّا)، حين اعترف محسن مرزوق وأقر حافظ قائد السبسي بوجود «مافيات» (مسلحة) قادرة أو هي لا تتورع عن استعمال العنف (الارهابي) من أجل «تركيع الطرف المقابل»….

 

سؤال الختام: الحروب بين «ملوك الطوائف» (في الأندلس) غذّاها «الطرف المقابل». من يكون هذا «الطرف» ضمن قضيّة النداء؟؟؟


210 تعليقات

  1. مختار ميلاد

    مايحدث في الندا ليس بغريب فهو متوقع لكن ليس بهذه السرعة اقل من سنة من الصعود. فمن الذي يرسم التصور الذي يجب ان تكون عليه تونس في المستمقبل؟ من من الاطراف الخارجية؟ عديدة هي الاطراف و كل له تمثيل!

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي