النقاب وصورة الرئيس: معارك فاتت دون كيشوت…

25 مارس 2016

عندما «تتحزّم» قيادات سياسيّة وقامات اعلاميّة وطاقات في المجتمع، لتجعل من «صورة رئيس الجمهوريّة» وكذلك «النقاب»، أمّ المعاك والصراع الذي ليس بعده صراع، نعلم حينها، أنّنا أمام حالات من «الغباء القاتل» أو (ما هو أدهى) «افتعال المعارك الوهميّة»…

من الطبيعي أن تكون مسألة «صورة الرئيس» وكذلك «النقاب» محلّ نقاش وصراع وحتّى رهانات استراتيجيّة، بل هي كذلك بالأساس، لكنّ أن تكون وتتحوّل إلى مسائل وجب البتّ فيها بالقانون (النافذ)، أيّ الملزم للجميع، خارج أو فوق أو ربّما في نقيض مع «آليات المجتمع»، فذلك باب لتأسيس العنف (أيّ «قنبلة موقوتة»)، يكون انفجارها لا محالة (مؤجلاً)، بل هو عين اليقين.

 

لم تترسّخ الديمقراطيّة بعد في هذه البلاد، بل كلّ ما نراه من «دستور» ومن «انتخابات» وما نتج عنهما من «حكومة»، لا يعدو أن تكون «توافقات فوقيّة» وليس «ديمقراطيّة مستقرّة». هناك رغبة محليّة ومطالب اقليميّة ومصالح دوليّة في «التهدئة» (في تونس)، أو على الأقلّ لدى (بعض) القوى (الاقليميّة والدوليّة) عدم انفلات الوضع أبعد من «خطوط حمراء» (يعلمها الكلّ ويلعب عندها).

 

الخطر في مسألة «صورة الرئيس» وكذلك «الحجاب» ليس الخلاف أو النقاش أو الاختلاف أو تضارب القناعات وصراع المواقف الفكريّة وحتّى الأيديولوجيّة، بل (وهنا الخطر بل «القنبلة الموقوتة»)، أن تدّعي هذه الجهة بأنّ «رأيها صواب» ومن ثمّة «تذهب به إلى التنفيذ» (بالقوّة)…

فعلها بن علي من قبل، وقد ملك المال والسلطة والسلاح، في بلد جاهرت القلّة القليلة برفع الصوت، فكان له الأمر، لتنفجر «القنابل (العنقوديّة) الموقوتة» التي لا تزال تزلزل البلاد إلى الآن. هناك نخب لم تغادر مناخات الجامعة والمنابر الاعلاميّة، لتتصرّف وفق نظريّة «الصراع الكلامي» وليس «موازين الديمقراطيّة» (في حدّها الأدنى»…

 

لا مجتمع في العالم يؤمن بما (هي) «سلطة الكلمة»، خارج «السلطة الاعتباريّة» (الجامعة). في تونس لا سلطة اعتباريّة ولا هم يحزنون، بل نرى تفتيتًا مقصودًا وتقزيمًا متعمّدا لأيّ سلطة كانت، كأنّنا (أو نحن بالفعل) أمام من يريد (والله أعلم) أن يجعل من البلد «صحراء سياسيّة» سواء على مستوى «خصي النخب» أو (وهذا الأخطر) «صناعة نخب» (جديدة) عبر الفرجة الإعلاميّة والتهريج السياسي.

 

فعلا، في تونس، هناك معارك أهمّ من «صورة سيادة الرئيس» في المؤسّسات الرسميّة، وأشدّ الحاحًا من مئات المنقبات في البلاد. «عقليّة الجامعة» (جامعة السبعينات) التي لا تزال تحكم القطاع الأوسع من القيادات السياسيّة (الواهمة) جعلت من هذه «المسائل» مسألة «حياة أو موت»، أو بالأحرى هي «أمّ المعارك»…

أخطر من «أمّ المعارك» الموهومة هو السعي لحلّها عبر «الهروب إلى الأمام» (وفق نظريّة بن علي)، بل هو السيناريو ذاته.

 

بن علي استغلّ 11 سبتمبر ليجعل من «ارهاب الارهاب» سياسة بل «عقيدة» ترتقي إلى «الإيمان» القاطع، وهاهم يستغلّون «الأجواء الارهابية» لإعادة «الماضي» في «شكل جديد»…

بعيدًا عن «نظريّة المؤامرة» ودون القول بها، وعندما نبسط (دون عاطفة) المعادلة أمامنا، نجد أنّهم (أيّ من يريدون إعادة سيناريو بن علي) أقّل ذكاء منه بل أشدّ غباء، حين كان بن علي أقدر (بكثير) على قراءة المشهدين المحلّي والدولي، في حين يريدون الهجوم وفق أسلوب دون كيشوت على طواحين الريح.

الباجي والنقاب

الباجي والنقاب

المطالبة (بمثل هذا الأسلوب) بتعليق صورة الباجي في كامل المرافق العموميّة، مضرّة بالباجي ذاته، قبل أن تكون مضرّة بالديمقراطيّة، بل هي دليل لا يقبل النقاش (إضافة إلى إعادة تمثال بورقيبة) على أنّ «هؤلاء» لا أفق لهم ولا عقل، بل لا فكر ولا عقيدة، ومن ثمّة لا خطّة ولا هم يحزنون. فقط أخرجوا الخطط القديمة من الأدراج المتسخة وهاهم يحاولون وفق نظريّة «نسخ ـ لصق» إعادة احياء الماضي…

 

أغبى الأغبياء لن تزيده الصورة احترامًا للباجي، ومن يحبّ الرجل لن ينضاف إلى قلبه قطرة «عسل» جديدة، بل هي معارك واهمة على حواشي التاريخ (الفعلي والفاعل) لترث البلاد والعباد «معارك وهميّة وصراعات واهمة»…

 

الحجاب ذاته، يأتي معركة واهمة، حين يمكن الجزم دون أدنى نقاش، أنّه لم يتحوّل إلى «تلك الظاهرة» (الخطيرة والمقلقة)، وكذلك يمكن الجزم من باب اليقين، أنّ التعلّل بما هو «الخوف» (من الحجاب) يأتي دليلا عن «القصور»، لأنّ العقل السياسي وكذلك العقل الأمني (ضمن المعاني الراقية للكلمتين) لا ينطق ولا ينطلق من «الخوف» لأنّ «الخوف» أو بالأحرى التعبير عنه، بل ووضعه في صدارة التعبير، يأتي دليل «عجز» وكذلك «قصور» وأيضًا «عدم ثقة» بالنفس…

أوروبا الغربيّة ذات التراث المتراوح بين مسيحيّة لا تزال تسبح في وحل الحروب الصليبيّة، وحداثة معادية للديانات جميعها، لم تحسم ولن تحسم مثل هذه المسائل في السابق ولا في الحاضر ولا في المستقبل، من خلال «الجزم القانوني»، لأنّ العقول هناك تفهم وتخاف أن يكون «تحجير الحجاب» مدخل وتعلّة وسابقة قانونيّة لتحجير يمسّ «حريّة» أخرى، كمثل «شواطئ العراة» أو غيرها ممّا صار من «أقدس الأقداس»…

 

الخاتمة:

دون كيشوت لم يكن يحارب طواحين الريح، بل كان في حاجة لجعل هذه «الطواحين» تراه وتعترف به. لم يكن يثق في ذاته، فكان أن توهّم ذاته في صراعه معها.


167 تعليقات

  1. عادل بوعزيزي

    البناقصون و مرضي الايديولوجيا و الاسلاموفوبيا هم الذين يسخرون اوقاتهم للصراعات الوهمية و النقاشات البيزنطية العقيمة

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي