النهضة: صراع أجنحة، أم ريش داخل جناح واحد؟؟؟

21 فبراير 2016

بدأ البعض في تسريب أخبار في لهجة الوثوق واليقين عن أنّ صراع «الجبابرة» بدأ في النهضة، بين «الرأس السياسي» راشد الغنوشي، مقابل «رأس التنظيم» عبد الحميد الجلاصي، مع تذكير أو هي إشارة إلى استنساخ «سيناريو النداء» الذي انشقّ (إلى حدّ الآن) إلى جزئين.

في بلد التوتّر الدائم والقلق دون توقّف، يأتي تصديق «المشاكل» أقرب من «قراءة» حسن النيّة، وكذلك (وهذا الأهمّ)، تشقّ النهضة «أسئلة» (وجوديّة) عديدة، تدفع «المراقب» (النزيه)، قبل من «يعدّون العثرات ويعدّون لها» للسؤال و(ربّما) للتساؤل عن تأثير ما نراه في النهضة، على مستوى «المفاهيم» من اختراع لهذا «المسلم الديمقراطي» كأنّ الفرد «النهضاوي» ترك ما كان عليه من «انعدام الديمقراطيّة» ودخل «بيت (الطاعة) الديمقراطيّة» ليكون «آمنًا»، أو على المستوى «التنظيمي» من اعداد للمؤتمر، سواء على المادّي، أو (وهنا الخطورة) بلورة «قاعدة فكريّة» (جديدة) لحركة النهضة…

 

Ennahdhaلا يمكن الحديث عن أدلّة ماديّة لوجود شرخ (قادم) في النهضة، كما لا يمكن القول بأنّ الأمر «على أحسن ما يرام» (فعلا)، لأنّ الأسئلة المطروحة والتساؤلات القادمة والاستحقاقات القادمة، تطرح مسائل لا تخصّ «كيفيّة ممارسة السياسة»، بل (وهنا الخطورة): «على أيّ قاعدة (فقهيّة) تكون السياسة؟»…

أسئلة على المستويات المعرفيّة والفقهيّة وحتّى الفكريّة والأيديولوجية، تتجاوز النهضة بكثير جدّا، لتمثّل «همّا جامعًا» لمجمل الطيف الاسلامي، سواء في تونس أو في خارجها. أسئلة تتجاوز «التنظير» الفكري والقراءة الأكاديميّة، لتقف عند: «أيّ سياسة هي؟ وبأيّ سند، تكون؟؟؟»

لا يحتاج الغرب الذي طرح الأسئلة معرفيّا (فقط)، وعلى الحركات الاسلاميّة، أينما كانت تقديم أجوبة تتجاوز «القراءات أكاديميّة» أو «مطارحات فكريّة، بل تتجاوز إلى رؤية التمشّي السياسي والمواقف على الأرض، ليس فقط من «المسألة السياسيّة» (أي علاقة السياسة بالدين ضمن منظور واسع)، بل (وهنا السؤال والمسألة) إلى «الطرح» (الموضوعي) لأسلوب إدارة «الحكم» (أي شؤون الدنيا والناس)…

 

هذه الأسئلة «المطروحة» (على النهضة) من قبل الغرب (أساسًا) تحوّلت إلى «أسئلة» تطرحها النهضة على ذاتها، بل هي أسئلة يتمّ طرحها داخل حركة النهضة، في شكل «الامتحان» الذي لا يبغي التمييز بين «الكفاءات» (معرفيّا)، بل ـ وهنا السؤال ـ طرح المسألة على نقطتين:

أوّلا: في علاقتها بما هو «الجذر المؤسّس» (للحركة)، بمعنى أيّ «هويّة» لهذا «الكيان» وأيّ «مشروع» (هو)، وما هي العلاقة بين «ما كان ذات يوم» (أي الجماعة الاسلاميّة) من جهة مقابل «ما هو قائم» (اليوم) أو ما هو مطلوب من «موقف»، تعلمه قيادة النهضة يقينًا، لكنّها لا تحسن (وهنا السؤال) كيفيّة الوصول إليه.

ثانيا: في تجاوز للمسألة «المعرفيّة» أي سؤال «الماهية والهويّة»، يمكن الجزم أنّ السؤال الأهمّ يتناول كيفية «اخراج» جواب لفظي (أوّلا) يأخذ بعدًا عمليا، ويحيل على ممارسات (جديدة)، تكون في الآن ذاته، تلبية لهذا العمق الجماهيري القائم على أسسّ «السلفيّة الاخوانيّة» (أو هو أقرب إليها) وثانيا متطلبات الساحة الداخليّة، وأساسًا وهذا المطلوب «مستلزمات» أو هي (بالأحرى) «مكرهات» السياسة الدوليّة…

من ذلك يمكن الجزم دون أدنى شكّ أو ريبة، أنّ على مستوى هذه «التساؤلات» لا تأتي النهضة (العمق الجماهيري، كما درجات القيادة) على «قلب رجل واحد»، بل يأتي الادراك لهذه الأسئلة وما هي أهميتها على مستويات عديدة، بين قاعدة، تتراوح بين «الإيمان» مقابل «التمكين»، مقابل قيادات تلعب بين الحديّن وما زاد عن فائض السياسة التدرجيّة، كمثل ما يفعل لطفي زيتون، الأقرب إلى «كشّاف» في «أدغال السياسة»…

 

اللعبة داخل النهضة، لا تأتي لعبة فوارق بين الكتل القائمة (داخلها) على مستوى ضخامة القاعدة أو القوّة والتمكين داخل القيادة، بل يمكن الجزم أنّ «منطق» التفكير ومن ثمّة التحليل والقرار تتراوح داخل هذا «الفصيل الاسلامي» بين الدرجات التاليّة:

أوّلا: الدرجة الإيمانيّة: سواء في جانبها «الفقهي» المباشر، أي «الانتماء» (ضمن المعنى السياسي المتداول)، أو «التجانس» داخل «الجماعة» (الاسلاميّة) ومن بعدها «الاتجاه» (الاسلامي) ثمّة «حركة» (النهضة)، على أساس هذا «الإيمان» وهذا «الانتماء»

ثانيا: الإخراج السياسي: لهذا «الإيمان» وهذا «الانتماء» نحو «تخريج» سياسي «فاعل» (من جهة)، وكذلك «مقبول» سياسيّا، بعد اقرار الحركة من خلال التصريح أو الأدبيات، بعبثيّة تبني «العنف» سواء للوصول للسلطة، أو للتعامل مع «بطش» السلطة وعنفها.

ثالثًا: التمكين: ما هي العلاقة بين «المجرى الذي اتخذته الحركة» من جهة، في علاقة بهذا «المشروع» الذي انطلق مع «الجماعة» (الاسلاميّة)، من جهة، وصولا إلى هذه الأسئلة التي تأتي أقرب إلى «الفخّ» من امتحان الارتقاء إلى درجة «المسلم الديمقراطي»…

بين ثالوث الإيمان، والسياسة والتمكين، لا خيار للنهضة سوى التضحية بالسياسة، حين يمكن اضمار الإيمان وتأجيل التمكين، بل تأتي المرحلة أقرب إلى السعي من أجل «الوجود» بمفهوم السلامة، وليس التمكين بمعنى «الانجاز»…

 

لذلك لا يترّقب أيّ كان ممّن يقدر على قراءة «العقل النهضاوي» إلى أيّ «نشاز جماعي» كمثل ما حدث في «نداء تونس»، لأنّ غريزة «البقاء» (بمفهوم الإيمان الفردي) وغريزة «البقاء» (بمفهوم التمكين الجماعي) لا يقبلان النقاش، وإلاّ ضاع «الإيمان» وضاع «التمكين»…

 

لذلك تعطي النهضة لمن يريد ما شاء على مستوى «السياسة»، بدءا بما هو «التوافق» مع «عدوّ» (الأمس)، وصولا إلى «التأجيل» (المؤقت) للمشروع على اعتبار أنّ المرحلة تملي أولويات «التنفيذ» وليس «مبادئ الإيمان والتمكين»…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي