تركية: من «الرجل المريض» إلى «الدولة اليتيمة»…

9 يونيو 2016

رغم «تأكيدات» الولايات المتّحدة الأمريكيّة للقيادة التركية، بأنّ وقوف واشنطن العسكري (بالرجال والسلاح) جهرًا وعلانيّة، إلى جانب «قوّات سورية الديمقراطيّة» (تحالف سوري موال لنظام دمشق، غالبيته من أكراد سورية)، «لن يمسّ المصالح التركية»، إلاّ أنّ أنقرة ليست من الغباء والسذاجة لتصديق دولة لم تصدق سابقًا في غالبية تعهداتها.

كذلك، حين نستثني شطحات الفايسبوك وتغريد التويتر، لا دولة في العالم أعلنت أو هي قادرة أو من مصلحتها أن تقف عسكريّا إلى جانب نظام أنقرة في أيّ مواجهة عسكريّة ممكنة أو قادمة، ضدّ أيّ كان، على عكس «خصوم/أعداء» تركية، الذين يشكّلون حلفًا يبدأ من موسكو ويعرّج طهران ويمرّ على دمشق وينتهي في الضاحية الجنوبيّة لمدينة بيروت، ويراه أخرون يصل إلى غزّة…

 

تركية دولة صاحبة مكانة جيّدة في المنطقة ومكان متميّز ضمن قائمة الدول ذات المصالح الاستراتيجيّة الهامّة والأكيدة، لكن السؤال يخصّ ما يلي:

أوّلا: التوازنات القائمة (أو مفهوم هذا التوازن) داخل «العقل التركي» (حاليا)، حين غادر داوود أوغلو المشهد، بين «الجموح التركي» الذي ذهب (في الملفّ السوري أساسًا) أبعد من «المعقول» الضامن للقدرة على التراجع والانسحاب، وما هي «المصالح التركيّة» المرتبطة بمصادر الطاقة، بين إيران تلعب لعبة «الأفعى الجميلة والصامتة» مقابل روسية التي تزاوج الماء بالنار في علاقتها بأنقرة.

ثانيا: قراءة دول المنطقة لدور تركية، ومن قبل ذلك قوّة هذه الدولة، وما الفائدة منها وأساسًا (على النقيض من ذلك) الريبة أو الخوف من هذه القوّة، ممّا يقود إلى الجزم، أنّ دول المنطقة والقوى الدوليّة، تبحث عن تركية قويّة (بمقدار)، وأساسًا، موجهة في هذا الاتجاه وليس ذاك.

recep-tayyip-erdogan

رجب الطيب أردوغان

على الأرض وقراءة مجرّدة للواقع العسكري، يكون الجزم بأنّ «الانهيار» لم يعد يعني البتّة «النظام السوري»، بل الكلّ يعمل (أشبه بخليّة النحل) لدحر قوّات (ما يسمّى) «داعش»، وصولا إلى «تنسيق» مبطن (وبوساطات) بين واشنطن ودمشق، جاءت ترجمته دخول قوّات أمريكيّة الأراضي السوريّة لمساعدة «قوّات سورية الديمقراطيّة»، ممّا يعني (إجمالا) أنّ على تركية أن تعدّل أوتارها وتعيد صياغة قناعاتها، ليس فقط بانعدام أو عدميّة فكرة «صلاة أردوغان» في الجامع الأموي، بل الوصول (يومًا ما) إلى «تصفية» الحساب بين كلّ من أنقرة ودمشق، على قاعدة محيطات من الدماء بينهما، وكراهيّة متبادلة، أكّدها الرئيس السوري بشّار الأسد، أمام برلمان بلاده، حين نعت أردوغان بأقذع النعوت، وصولا إلى القول أنّه (أيّ أردوغان) يتصرّف مثل «الزعران» (أيّ البلطجيّة)…

 

المنطقة تذهب (وفق تفاهمات أمريكيّة روسيّة) إلى «تهدئة» (طويلة نسبيا) أيّ القضاء على (ما يسمّى) «داعش» والقبول الغربي بل هو التسليم الأمريكي خصوصًا باستحالة اسقاط النظام، ومن ثمّة القبول أو هو التسليم بأنّ «النظام السوري» شرّ لا بدّ منه في أسوأ الحالات.

 

التغيرات التي جدّت في أعلى هرم الدولة التركيّة، بدءا بمغادرة «عبد الله غول» (من قبل) وصولا إلى «طرد/تسريح» داوود أوغلو، يمكن الجزم (على أساسها) أنّ الملفّ السوري يأتي على رأس الأسباب التي أدّت إلى ذلك، بل أكثر من ذلك، يمكن الجزم (دون أدنى شكّ) أنّ «الملفّ السوري» انتقل من «صفر مشاكل» (زمان) إلى «الكابوس الأكبر» لدى قيادات تركية.

تعلم القيادات التركية جيّدا، أنّ العديد من الدول (دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة) أرادتها السيف الذي يطعن نظام دمشق، وتعلم القيادات التركيّة، أنّها ذلك «السيف» الحامل لشلالات من الدماء، وأنّ لا جهة (الخليج والغرب) سيدفع بجندي واحد أو حتّى دولار واحد، من أجل أن تصير تركية دولة أقوى أو هي أعلى من «الدرجة المسموحة»…

«الدرجة المسموحة» (هذه) تجاوزتها أنقرة بكثير منذ زمن طويل، ومن ثمّة كان اعتماد هذه «الطاقة» (الفائضة) من أجل «ضرب النظام الروسي» وكذلك «طعن النظام الإيراني» وأساسًا «تحجيم دور روسية» في المنطقة، لكن تركية (لدى دول الخليج والغرب) لا تختلف «استراتيجيا» عن هؤلاء «الأعداء»، مع فارق بسيط أنّها «دولة يتيمة» عليها أن تعوّل على ذاتها للدفاع فقط، أو هي «دعوات» الفايسبوك و«تمنيات» التويتر، و«شطحات» الجهات (العربيّة عمومًا والاخوانيّة خاصّة) المستفيدة (ماديا) من النظام التركي…

 

تركية دولة قويّة وذات وزن كبير، ومن ثمّة لا يمكن الحديث عن «سقوط» أو «تقهقر» بمعنى «الآن وهنا»، لكن (وهذا الأهمّ)، تقوم المسألة على عنصرين:

أوّلا: قدرة القيادة التركيّة على قراءة المشهد وفق المعطيات الموضوعيّة، خارج معادلة العنتريات العاطفيّة والشطحات الأيديولوجيّة،

ثانيا: قدرة القيادة التركيّة على اتخاذ «قرارات مؤلمة» ليس فقط «موجعة» على مستوى المصالح (بالمفهوم الأيديولوجي»، بل تدفع (في دولة ديمقراطيّة مثل تركية) إلى طرح أسئلة أو هو سؤال:

«من أخطأ ومتى وفي أيّ موقع»؟؟؟

 

ختامًا:

عندما يعلن بل يقرّ «بن علي يلدرم» رجل الأعمال الشهير والقويّ، والرئيس الجديد لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الجديد، بأنّ «الحرب في سورية عبثيّة»، يكون الدليل القاطع، على أنّ تركية ليس فقط بدأت تعدّل أوتارها وتعيد حساباتها، بل هو «اليقين» بأنّ قطار أنقرة سيقلب الوجهة ويسير في غير اتجاه.

 

فقط:

لا عزاء للأغبياء من «الأيتام» العرب الذين وضعوا ما يملكون من بيض في سلّة قيادة تركية لا تراهم خارج «خصيان آل عثمان»….


166 تعليقات

  1. جمال الشبيلي

    تأخرت تركيا في اتخاذ المراجعة المناسبة لسياستها الخارجية ،تحديدا في سوريا ..

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي