«حكومة الوحدة الوطنيّة»، كما العيد: المعرفة بالحساب والكشف بالرؤية…

2 يوليو 2016

وعد أن تكون هناك حكومة قبل عيد الفطر المبارك، (وفق الرواية الرسميّة الصادرة عن رئاسة الجمهوريّة)، أو هو بالأحرى، إعلان اسم «الخليفة المنتظر»، بعد أن صار الحبيب الصيد، «عقدة» الطبقة السياسيّة في تونس، وما نراه في المقابل من تخبّط حقيقي، وخاصّة هذا الكمّ المهول من «النيران الصديقة»، يثبت، مدى الفرق الشاسع والبون المفزع، بل والخطير بين ما هي «حسابات» الحقل السياسي، مقابل «تكتيكات» الماسكين (فعلا) بالقرار.

كمّ هائل من «المعارك الجانبيّة» أو هي «التصفيات» (ضمن المعاني العديدة للكلمة)، بغية الوصول إلى «الهدف المنشود»، أي «الإعلان» عن شخصيّة «المهدي المنتظر»، يجعل من «حروب الطوائف» (هذه)، والطبقة السياسيّة بأكملها، تنسى (أحيانًا) الهدف من هذه الحروب المتواصلة، لتسقط (كما هي العادة) في «معارك جانبيّة»، تحوّلت أو بالأحرى أصبحت هي «أمّ المعارك»…

 

عندما نريد جرد هذه «الحروب الجانبيّة» أو هي (في العرف العسكري) «الحركات الالتفافيّة» يثبت مدى التخبط، ليس على مدى الأفق السياسي بأكمله، بل (وهنا الخطر)، بين «مكوّنات الكيان السياسي ذاته»، أيّ بين من هم (افتراضًا) في ذات الجهة، أو هم (افتراضًا كذلك) يعملون من أجل الهدف ذاته…

هذا الهرج وهذا المرج، وما يتلوه وينتج عنه من «غبار» (سياسي واعلامي) يجعل «الرؤية» شديدة الصعوبة، بل (بمفهوم النشرة الجويّة) يحدّ من الأفق، ويجعل «الملاحة» السياسيّة شديدة الخطر، على هذه «الكيانات» المتقاتلة….

 

عندما نضع المجهر فوق هذه المكوّنات ونذهب في «التكبير» أقصى ما يكون، نلاحظ ملامح عامّة لهذه الأزمة:

أوّلا: أنّها بنيويّة، أيّ تمسّ مجمل مكوّنات المجتمع السياسي، ومن ثمّة يمكن الحديث عن خلاف في المردود وليس اختلاف في الماهيّة،

ثانيا: أنّ تناسل الجماعات السياسيّة القائمة، يجعل هذا «الوباء» ينتقل بالوراثة،

يتأكد من ذلك، استحالة «صناعة الجديد» من هذا «القديم»، أيّ قدرة طرف سياسي (ما) على تحقيق ما يصرخ به الجميع، أيّ «الحلّ» الذي تبحث عنه البلاد، ويريده العباد.

الطبقة السياسيّة بكاملها (دون فارق كبير)، لا وعي لها بأهميّة عنصر الزمن في مثل هذه المعادلة، ولا إدراك لها أنّ التعفّن مسّى «القرص الصلب» ومن ثمّة نحن (أي البلد بكامله) بصدد العود بل هو «السقوط» في منطق «دولة بن علي»، أيّ الانفصال الخطير وحال الانفصام الأخطر بين كلّ من الطبقتين السياسيّة والشعبيّة.

 

الحكومة القادمة (مهما تكن التسمية) التي يتمّ الحديث عنها أشبه بما هو «هلال العيد»، أيّ تلك الفرحة الشديدة التي تتلو صوما صعبًا، لا يمكن أن توفي الجزء اليسير من هذه «التطلعات» التي يحملها العمق الشعبي، أو بالأحرى التي تروجها الطبقة السياسيّة في سياق حروب «التصفيات» التي نراها بالعين المجرّدة…

Croissantعندما نوسّع دائرة الرؤية من البعد المحلّي إلى المستوى الاقليمي وخصوصًا الدولي، يبدو بما لا يدع للشك، أنّ كامل هذا المرج وهذا المرج (داخل البلاد) لا يعدو أن يكون مجرّد سلّم لركوب القطار السياسي، وفق شروط موضوعة، بل مقبولة، من قبل الجميع.

 

أيّ أنّ الأزمة لم تعد، بل لم تكن أبدًا ذات بعد استراتيجي (كما يبدو من الخطابات السياسيّة)، وإنّما هي «مناظرة» انتداب، أو هي «مناقصة» أشبه بما هو قائم بين مقاولات البناء والأشغال العموميّة.

 

كثرة المعارك وما تثير من غبار سياسي واعلامي، يخفي أو هو عاجز من اخفاء هذا «الجفاف السياسي» الذي يبدو من خلال عنصرين:

أوّلا: غياب الفوارق (بالمفهوم الاستراتيجي) بين الفرقاء السياسيين

ثانيا: السقف المنخفض جدّا للمشهد السياسي القائم في البلاد.

ممّا يؤكد بما يدع للشكّ، أنّنا أشبه بما هو «السرك» الذي لا هدف منه سوى «الالهاء» أي إظهار المشهد في صورة «ديمقراطيّة» أشبه بما هي «مسلسلات رمضانيّة» التي تترقّب هي الأخرى هلال العيد.

 

أخطر من «الفشل» أي عدم انجاز المهمّة قبل أن يصل «هلال العيد»، يكمن في هذا الكمّ المتراكم من «القرف العام»، أيّ أنّ فشل «الفرجة السياسيّة» في «صناعة الأمل» والمحافظة على حدّ أدنى من «المعنويات المرتفعة»، القادرة على «ضبط» ما هي «السلم الاجتماعيّة»، القادرة أو هي الضامنة للأمن العام، أيّ الاستقرار.

 

الطبقة السياسية في مسعاها لتوسيع مداها، وفق ما هو ممكن أو مطلوب في أيّ ديمقراطيّة، لا تفعل سوى تفتيت هذا المدى، ومن ثمّة هي تبحر عكس الريح أو ما هو الحد الأدنى الضامن لعدم السقوط في مستنقع الضياع.

كذلك، وهنا الخطورة، لا يمكن الحديث عن «أفق سياسي» وفق أيّ مفهوم أو فهم، ونحن نلاحظ بالعين المجرّد حجم الفساد المتزايد، بل المستفحل، أيّ سيطرته دون خوف أو وجل على مفاصل الاقتصاد، وتحول «أباطرة الفساد» إلى «زعامات سياسيّة»…

 

يستحيل الجمع بين الفساد والديمقراطيّة، وغبيّ من يراهن على تعايش الاثنين (في الحدّ الأدنى)، بل الخطر في العود إلى «دكتاتوريّة» (ناعمة)، أيّ يأتي ماسك السلطة والمال والسلاح، خفيّ وغير ظاهر، أو هو لا حاجة له للظهور مادامت «المناظرات» أو «المناقصات» قادرة على تأمين جيوش من «البشمركة» المتطوعين للعب دور «البطولة» (المزيّفة) أمام عيون المتفرجين…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي