حلب الصورة في زمن حرب بافلوف…

30 أبريل 2016

فجأة وعلى حين غرّة، استفاق «العالم» (أو هي الأصوات المتباكية على الإنترنت) بين نواح وعويل، كأنّ حلب كانت (قبل هذا العويل وهذا النواح) مدينة هادئة تنعم بالسلام والاستقرار، وكأنّ سورية بأكملها (البلد والشعب) أشبه بما هي سويسرا في رغد العيش، وكأنّ الشرق الأوسط وشرق المتوسط واحة ديمقراطيّة أو هي جنّة (العرب) على الأرض.

كلّنا يعلم ويشاهد ويلاحظ أنّ حلب، عاصمة الشمال السوري وقلبها الاقتصادي (سابقًا)، محلّ رهانات استراتيجيّة، سواء تعلّق الأمر بما هو «الصراع» الدائر في البلد أو هي الخارطة الجديدة للمنطقة دون أن ننسى التوزيع القادم للثروات في العالم، بدءا بهذه المنطقة، فما الذي دعا إلى «استفاقة الضمير» هذه، والجميع يبكي وينتحب أو هو (والكلام للبعض) «يفدي حلب بروحه»…

 

الصمت والصراخ، وكذلك الخمول والهيجان، لا يرتبطان بالواقع على الأرض، بل بقدرة هذه الجهة أو تلك على «صناعة» الصورة ومن ثمّة تشكيل الوعي، سواء جاء النائحون عن طيب خاطر وصفاء سريرة، أو هم ممّن احترفوا اللعب على العواطف وتهييج المشاعر…

Siria

متى، من، أين، لماذا وكيف؟

يصدم أو هو مرعب، ليس ما نراه فقط، حين لا يمكن لأيّ ضمير بشري أن يصمت أمام هذا العنف، بل الصدمة والرعب حقّا، حجم «القفز من خلال العواطف» وكذلك (أو نتيجة له) «إلغاء العقل» (في حدّه الأدنى)، أيّ إلغاء الحقّ في التثبّت من مصداقيّة هذه «الصورة»، سواء على مستوى «الخبر» ذاته (أيّ متى ومن وأين وكيف ولماذا) أو (وهذا الأخطر) حجم التلاعب التكنولوجي بالصور ومن خلالها بالعواطف، ليكون العبور إلى الوعي (محلّ كلّ الرهانات)….

 

الجميع يشترط من أيّ كان أن يكون «واضح الموقف» كأنّ سورية تحوّلت إلى ملعب كرة قدم والمباراة التي فوقها لا تحتمل أو هي تطالب بل تشترط (طبيعيّا ومنطقيّا) الوقوف مع هذا ضدّ ذاك، أو نصرة ذاك ضدّ هذا، حين يأتي الرفض (من كلّ الأطراف) لأيّ موقف يطرح المعادلة خارج الاصطفاف «التام» أو هو «الانحياز» دون شرط….

أصعب من ذلك وأمرّ وأنكى، أن يتحوّل أيّ طرح لأيّ سؤال، يبحث عن مدى مصداقيّة هذه الصورة أو تلك، إلى «عميل» للطرف المقابل، كأنّ «الصور» في ذاتها، إمّا مقدّسة لا تحتمل السؤال، أو مجرّد «تعلّة» حين يأتي «الإيمان» قاعدة للموقف من النظام أو من أعداء النظام…

 

سورية ومن ورائها الشرق الأوسط وشرق المتوسّط، تحولت إلى «مخبر بافلوف» حين تشتغل «المخابر» على «تهييج العواطف» وكذلك «إذكاء النعرات»، في قفز كامل وتجاوز تام لأيّ «أسئلة موضوعيّة» همّها الاستفسار وليس التشكيك بدءا…

 

من يرفض طرح هذه الأسئلة الاستفساريّة التي يحقّ لأيّ صحفي محترف أن يطرحها، من باب «عدم الوقوع في فخ التلاعب»، هو «صانع هذا التلاعب» أو هو «ضحيّة» تقلّد «الجلاّد»، لأنّ الرهانات في البلد والمنطقة وكذلك التأثيرات على مستقبل العالم، تؤكّد لمن يحمل ذرّة ذكاء واحدة، أنّ النظر إلى ما وراء الصورة والغوص في تفاصيلها من الأمور المطلوبة، بل هي المؤكدة، حين يهمّ الأمر في المقام الأمر من يحترم ذاته ويقدّر ذكاء شخصه، لا غير…

 

قاعدة علميّة مقدّسة: من يحاول جعل «الألم المتقاطر من «الصورة» يغطّي العقل والحقّ في السؤال، مجرم بالتأكيد، سواء كان من المشتغلين ضمن «مخابر التلاعب بالعقول» أو (هو) «ضحيّة» يقلّد الجلاّد….

 

المسألة الأولى والأهمّ في سورية ومن ورائها كامل الدوائر التي رسمها (ما يسمّى) «الربيع العربي» (انطلاقًا) من تونس، لا تهمّ الإجابة بالقطع عن أسئلة «معرفيّة» (بسيطة): أي أن تكون مع النظام أو ضدّه، بل وضع خارطة جديدة للمفاهيم تستثني (ما يمكن تسميته) «الحقائق الثنائيّة»، إلى تحليل عميق ومتوازن للمسألة، لأنّ المطلوب ليس «الوقوف» (الأعمى) مع (ما يسميه هذا وذاك) «الحقّ»، بل (وهنا الأهميّة) الذهاب إلى تعريف «لماذا جدّ ما جدّ»، من سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2010 إلى يوم الناس هذا في حلب…

لأنّ ما وقع (حين نبتعد عن «نظريّة المؤامرة» فعلا) وجد أرضية «خصبة» (فعلا) وكذلك وجد من «اللاعبين/المتلاعبين» من حرّك الريح في هذا الاتجاه أو ذاك خدمة لمشاريعه…

 

أغبياء وسذّج ومجرّد حملة أسفار، من يعتقدون أنّ «الرهان» (في سورية) قائم (فقط وحصرًا) بين «نظام» (مهما كان الموقف منه)، تقابله «ثورة» (مهما كان الموقف منها)، لأنّ الوضع في سورية، بدءا بدول الجوار المباشر إلى اللاعبين الكبار أو عن طريق المناولة، لا تعنيهم «وحشيّة النظام» لذاتها وإلا كان تدخلوا أثناء «أحداث حماة» (سابقًا في التاريخ) ولا تعنيهم «الديمقراطيّة» في سورية، لأنّ لا أحد يبغي الديمقراطيّة في هذا البلد، دون أن ننسى أنّ كلّ طرف من هذه الأطراف الاقليميّة والدولية، لاعب لحسابه الفردي، وليس الخادم أو المطيع لنوايا «أصحاب حسابات الفايسبوك» الذين يتخيلون أو يحلمون بذلك «الفارس المغوار» القادم على حصان أبيض…

 

من جرائم المطابخ التي تعدّ مثل هذه «الوجبات الأخلاقيّة» القائمة على «زاد إيماني» أنّها تستثني الحقائق التي «لا تناسبها»، فهل يعقل أن يكون «الطيران الروسي/السوري/الإيراني» متوحشًا إلى هذه الدرجة في حلب، في حين يكون «الطيران السعودي ومن معه» حليمًا رحيمًا على أهل اليمن؟؟؟

ما الذي يميّز حلب عن صنعاء؟؟؟ غير هذه الانتقائيّة التي وجب التأكيد بل الجزم أنّها ليست من أخلاق «المسلمين» لأننا نرى من ينصرون «حلب» يتدثرون برداء الدين؟؟؟


97 تعليقات

  1. تعقيبات: Lafuma store online

  2. تعقيبات: cheap jimmy choo

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي