رموز أربعة في عمليّة الأمن الرئاسي: من يريد ماذا، وممّن؟؟؟؟

25 نوفمبر 2015

إضافة إلى ما يسمّيه علماء الاجتماع والنفس من ذوي الاختصاص في الشأن الإرهاب «لذّة العنف» أو الإدمان عليه، لدى جميع الجهات التي تملك السلاح واعتادت استعماله، يمكن الجزم دون أدنى نقاش، أنّ «عنف الإرهاب» (إضافة إلى هذه «اللذّة»)، ليس غاية مجرّدة، بل (وهنا الخطورة) رسالة موجهة إلى من تعنيهم الرسالة وثانيا سعي لقلب موازين القوى، أيّ اسقاط الطرف المباشر والقضاء عليه.

حين نُعمل أدوات التحليل في «عمليّة الأمن الرئاسي»، لا يمكن سوى طرح الأسئلة المنطقيّة عن:

رمزية المكان:

يمثّل شارع محمّد الخامس أحد أهمّ الشوارع في العاصمة تونس، حين يلاقي شارع الحبيب بورقيبة على مستوى «الساعة الكبرى»، وكذلك يحوي عددًا كبيرًا من مقرات البنوك والمؤسسات الماليّة إضافة إلى الفنادق السياحيّة، دون أن ننسى مقر التجمّع الدستوري المنحلّ، إضافة إلى قصر المؤتمرات، كذلك لا يبعد مكان الجريمة سوى مئات الأمتار عن مقرّ وزارة الداخليّة، حين نعلم أن شارع الحبيب بورقيبة يخضع منذ شهر تقريبا لحراسة أمنيّة مكثّفة، بدءا من منع السيارات من المرور أحيانًا وتحجير التوقف، وصولا إلى منع المارّة من المرور ببعض الأماكن.

رمزيّة التوقيت:

تعيش تونس العاصمة أيّام قرطاج السنيمائيّة، التي أرادتها الدولة جوابًا غير مباشر (لكن على قدر كبير من البلاغة) على مجمل الصور الارهابيّة التي تراكمت من عمليّة باردو إلى عملية سوسة وما تلاهما، ليتوقّف هذا المهرجان، أو الأقلّ في اليوم الذي شهد العمليّة الارهابيّة…

رمزية الهدف:

مهاجمة الحرس الجمهوري تأتي «مثيرة فعلا»، حين يعلم الجميع أنّ هذا السلك لا علاقة له أصلا بمكافحة الإرهاب، حين يتكفّل حصرا بحراسة مؤسّسات الرئاسة وكذلك حماية الشخصيات التونسية (بقرار من رئاسة الجمهوريّة) وأيضًا الشخصيات الأجنبيّة أثناء تأدية الزيارة إلى تونس. الهجوم على هذا السلك يثبت أنّ الجهة التي تولّت التخطيط واختيار الهدف، أرادت القول، أنّها لا تقاتل فقط من يقاتلها، بل تقاتل كامل منظومة الدولة وأجهزتها المسلّحة.

رمزية الرسالة:

عندما يلقى 12 عنصرًا من سلك الحرس الرئاسي حتفهم في هذه العمليّة، فمعنى ذلك أنّ الإرهاب قادر على ضرب حرّاس أعلى المؤسّسات قيمة على مستوى الرمزيّة، ليكون الهدف (في بعده الرمزي) قصر قرطاج ذاته،

شارع محمد الخامس

شارع محمد الخامس

يتبيّن بالكاشف أنّ أيّ عمل ارهابي، يهدف إلى أمرين إثنين:

أوّلا: إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في الطرف المقابل، ومن ثمّة اللعب على خلق الرعب، وذلك بأقلّ الامكانيات الممكنة،

ثانيا: يلعب العقل المدبّر على «مفهوم الرمزيّة»، حين تمّ الاعتداء على متحف باردو على اعتباره «رمزًا سياحيا» يجانب «رمز سياسيّا» (مجلس نوّاب الشعب)، وكذلك استهدف هجوم سوسة أحد اهمّ النزل في إحدى أهمّ المناطق السياحيّة، لتكون عملية «الحرس الرئاسي» على نفس الشاكلة…

 

يمكن الجزم أنّ محاربة الارهاب أو الحرب عليه، هي حرب مفاهيم ورموز، لذلك وجب الاستعداد لذلك على أكمل وجه، ليكون على هذا الأساس المرور إلى النواحي الأمنيّة والعسكريّة وحتّى السياسيّة والثقافيّة.

الخطأ في تونس، أنّ الرؤية والحديث والاستعداد تتلخص جميعها في القضاء المادي على الارهاب، أي اقتلاعه من البلاد، دون التفكير لحظة في جعل البلاد تلفظ الإرهاب، أو على الأقلّ تجعل اقتلاعه سهلا، لذلك وجب:

أوّلا:

لا يمكن الحديث عن أيّ مجابهة للإرهاب بطبقة سياسيّة تضرب بعضها البعض دون قواعد لعب، بل تسمح لنفسها بجميع الضربات الممكنة. ليس المطلوب أن «يحبّ الجميعُ الجميعَ حبّا جمّا»، حين لا يتخيّل أحد هذه الحالة حتّى في أرقى الديمقراطيات، بل (فقط وحصرًا) تحديد (مثل أيّ لعبة) «قواعد اللعب» التي تتوافق مع المسعى الديمقراطي وتؤسّس للانتقال الديمقراطي في سرعة وسلاسة.

ثانيا:

لا يمكن ويستحيل مقاومة الارهاب، في أيّ شكل من الأشكال وسط هذا الغموض (المقصود ممّن؟؟؟) عن «مافيات سياسيّة» تستعمل «المال الفاسد» أوّلا، وثانيا حجم هذا الاقتصاد الموازي، الذي عوض تجريمه بالجملة، وجب اتباع مع لعبة «الجزرة والعصا» لينخرط في الدورة الاقتصاديّة، حين يؤكد الخبراء، أنّ حجم السيولة خارج البنوك، يفوق ما تملك البنوك وما تتداوله.

بالمحصّل: لا يمكن محاربة الارهاب في بلد تسرح فيه المافيات دون رقيب أو حسيب، لأنّ المافيات والارهاب (سواء عن علاقة ببعضهما أو دون علاقة) يملكان الهدف ذاته، أيّ اضعاف الدولة وركوبها.

ثالثًا:

سقطت البلاد بكاملها منذ 14 جانفي في «كذبة» اضعاف وزارة الداخليّة علّ ذلك يحدّ من «تغوّل» هذه الوزارة، ليثبت بما لا يدع للشكّ، أنّ أرقى الديمقراطيات في العالم تملك أرقى المنظومات الأمنيّة، ليكون السؤال العملي وليس الفلسفي على منابر الاعلام:

كيف السبيل لتكون وزارة الداخليّة أقوى بكثير ممّا هي عليه دون أن تستنزف موارد الدولة ودون أن تصبح أو تعود ذلك «البعبع» المخيف.

رابعًا:

وسط صراع وجودي حول نمط الحياة، بين أطراف متناقضة ومتناحرة، يجد الارهاب منفذا للدخول والتغلغل وحتّى الضرب على الخلافات وتعميق الاختلافات، لأنّ الدستور التونسي لم ينزل من «حبر على ورق» إلى الحياة العامة والواقع المعيش…

 

في استثناء ذلك ستتحوّل حربا على الارهاب إلى «مأساة سيزيف» لقرون عديدة…

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي