سعودي في «تلّ الربيع»: تيه في صحاري العبرانيين…

27 يوليو 2016

لم تزد زيارة الضابط السعودي والوجه الإعلامي المدافع عن سياسة المملكة، أنور عشقي إلى الكيان الصهيوني، عن أن تكون وتمثّل «الشرط الصهيوني» لما يمكن الجزم أنّه «قطع الطريق» عن المملكة (القيادة والسياسة) عن أيّ محاولة تراجع أو انكار هذه العلاقة التي مرّت من السرّ حين وجب العلن….

ashqi-and-gold.jpg888الزيارة في بعدها المجرّد (أي القيام بها وإعلانها وأساسًا التغطية الاعلاميّة) هدف في ذاته، أو هو الهدف الأوّل والأساس، أيّ جرّ إحدى الدول العربيّة والإسلاميّة الأهمّ إلى مربّع أو هو «مستنقع التطبيع»، وثانيا (وهذا لا يقلّ أهميّة) اللعب على البعد الإسلامي (الرمزي) للمملكة، ومن ثمّة السعي الصهيوني ليس فقد لتوسيع دائرة «التطبيع»، بل (وهنا الخطر) تحوّل هذا «الكيان» إلى طرف «مقبول» يمكن أو يجب التحالف معه في مواجهة «كيانات أخرى» أشدّ خطرًا، وفق «التوافق» القائم بين قيادة المملكة وقيادات الكيان الصهيوني…

 

تدري قيادات المملكة أنّ ذهاب أنور عشقي إلى الكيان الصهيوني، يستحيل تصريفه في صورة «العمل غير الملزم للسياسة الرسميّة». نمط العلاقات السياسيّة داخل المملكة وكذلك جدليّة صياغة القرار وأساسًا بناء منظومة العلاقات الداخليّة والاقليميّة والدوليّة، تجعل من سابع المستحيلات أن يتحرّك أنور عشقي أو من شاء خارج الإطار «المحدّد» وكذلك دون إذن «صريح» وبالتالي الرجل (ومن معه ضمن الوفد) يحملون تكليفًا «رسميّا» من أعلى هرم السلطة ذاتها، أيّ «خادم الحرمين» ذاته.

 

تدري المملكة العربيّة السعوديّة أنّها تلعب وسط حقل ألغام أو بالأحرى جملة من البراكين المنفجرة أو القابلة للانفجار، ومن ثمّة وجب السؤال أو بالأحرى طرح المعادلة من خلال حدّين:

أوّلا: ما هي الدوافع التي جعلت المملكة تدخل «عشّ الدبابير» وتغامر بالخروج بعلاقة «الزنى» من طيّ السريّة وتجعلها «زواجًا شرعيّا» مكتمل الشروط (وفق الشروط الصهيونية)؟؟؟

ثانيا: ما هي المكاسب التي يمكن جنيها من هذه الزيارة وكذلك المخاطر التي تهدّد المملكة؟

وجب التأكيد أو هو التذكير أنّ المملكة العربيّة السعوديّة تقوم على أساسين اثنين لا ثالث لهما:

أوّلا: الشرعيّة الدينيّة، أيّ وجود الأماكن الاسلاميّة المقدّسة على أراضيها، ومن ثمّة لعب «المذهب الوهابي» على ذلك ليتحوّل إلى «الذراع الضارب» لسياسية هذا «الكيان الديني» في الداخل كما في الخارج،

ثانيا: النفط وما مكّن من موارد ضخمة جدّا، جعلت المملكة تتحوّل من أرض قفر وصحاري فقيرة (في استثناء للمدن التي تعيش على الحجّ) إلى دولة «الرفاهيّة» القادرة على ضمان «السلم الاجتماعي» (في الداخل) وكذلك صاحبة اليد الأطول (على مستوى نثر الدولارات) في الخارج…

حاليا يمكن الجزم أنّ الأصوات المتعالية بالربط بين المملكة (السياسة والمذهب الديني) وما هو «التطرّف» (الاسلامي) الذي يجتاح العالم، جعل الرياض تتحوّل من «فاعل دولي» إلى «سياسة دفاعيّة» بالأساس. كذلك تراجع سعر النفط (الذي جاء لتركيع روسية وإيران وفنزويلا والجزائر)، جاء أشبه بما هو «انقلاب السحر على الساحر» (السعودي)، حين بدأت المملكة تعاني من عجز متزايد في الموازنة أثّر سلبيا على «اشعاعها» (المالي في الخارج) وكذلك (وهذا الأخطر) يتهدّد «العقد الاجتماعي» القائم على «الصمت مقابل الرفاهيّة»…

 

مفارقة أخرى تتهدّد المملكة، تكمن في «الانفصام الخطير» (بل المرضي) بين «العمق الإيماني للمذهب الوهابي» القائم على الزهد والتقشّف من ناحية، في مقابل حياة الترف الذي صار إليها جزء غير هيّن من الشعب، دون أن ننسى  المجون داخل أوساط الشباب الذي بلغ أحيانًا ما أزعج المراجع «الدينيّة» الماسكة للسلطة الدينيّة في المملكة.

 

يبقى الاتهام الأخطر والتهمة الكبرى، في العلاقة القائمة سواء بين «الفكر الوهابي» وبما يسمّى «داعش»، وأيضًا الرابط القائم بين هذا التنظيم والمخابرات السعوديّة…

صارت السعوديّة من انتشار السبعينات والثمانينات والتسعينات إلى تراجع خطير، بل مقلق ومهددّ لوجود «الكيان» في الصورة القائمة راهنًا، أي وجود آل سعود على رقعة أرض تجمع بين «قداسة الدين» وكذلك «حلاوة النفط»…

 

لم تعد السعوديّة تلك المرجعيّة الدينيّة الشامخة واهتزّ سعر البرميل أو هو تراجع وتقهقر، دون أن ننسى (وهذا على قدر كبير من الخطورة) توّرط المملكة حدّ الحزام في «المستنقع» السوري وحدّ النخاع في «جهنّم» اليمن، إضافة (وهنا المصيبة) انكشاف أمر (ما يسمّى) «الجيش السعودي» الذي يملك من السلاح ما لا تحلم به أيّ دولة في العالم، والعاجز عن تحقيق الانتصار على «حفنة» من الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح (وفق التعبير الرسمي لوسائل الاعلام الموالية للرياض)…

 

لا يكمن الخطر الأهمّ والبلاء الأشدّ، في ما جدّ وما نراه، بل في ما هو قادم، حين اعتاد الصهاينة اغلاق «باب الرجعة» ومن ثمّة دفع «الضحيّة» نحو مزيد من الانكشاف…

 

ينقص المشهد السعودي، الذي تختصره زيارة أنور عشقي للكيان الصهيوني، فقط أن يتحوّل إلى مصدر إلهام لصاحب «كليلة ودمنة» عبد الله بن المقفّع، الذي كان سيجد في هذه المملكة وتاريخها ومسارها، ما يكفي من العبر (على لسان الحيوان طبعا) ما يجعله يحبّر عشرات المجلّدات: مملكة على حافة الافلاس والعجز عن تأمين حدودها، ما جعلها تستنجد بما يسمّى «التحالف الاسلامي» الذي يحوي في صفوفه فلسطين (سلطة عبّاس) وبوركينا فاسو…

المشهد الأخير من هذه الدراما: انتحر عبد الله بن المقفّع غيضًا وكمدًا…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي