لماذا يريد الباجي أن تنتهي حرب النداء «باجي»؟؟؟؟

5 نوفمبر 2015

هو السؤال الأكبر واللغز المثير، مع من يذهب «قلب» الباجي (الأبّ)، ومع من مصلحة الرجل، أو هي «غريزة» السياسة فيه، مع ابنه حافظ أم مع أمين عام الحركة محسن مرزوق، خاصّة أنّ الرجل لم يحسم أمره بقرار أو بتصريح، وخاصّة أيضًا أنّ المناوئين للباجي الابن، يعتبرون صمت «السيّد الوالد» تشجيعيّا ضمنيا ووقوفا إلى جانب «السيّد الابن» ومن معه.

من ذلك انطلقت الحملة الدعائيّة التي يقودها «جماعة محسن مرزوق» ضدّ «التوريث»، على اعتبار أنّ العلاقة «الدمويّة» بين «الباجيين» (أي الباجي الأب والباجي الابن) تجعل من الأوّل «غير منصف في تقديره» والثاني «غير موفق في قراره»، الأوّل غير منصف عند تقدير مؤهلات الابن، والثاني غير موفق في قراءة حظوظه، والاثنان تحت سقف التوريث الذي (ربّما) يكون مرفوضًا داخليّا و(ربّما) غير مقبول اقليميا أو (قد) يثير حساسيّة الجهات الدولية ذات المرجع والنظر في الملفّ التونسي.

وجب التذكير أنّ هذا الطرف وذاك داخل النداء، يعاني من «عقدة خصي» (بالمفهوم الفرويدي)، حين نعلم أنّ الباجي الأبّ (سيادة رئيس الجمهوريّة) أصبح منذ لحظة تولّيه الحكم وجلوسه على «عرش قرطاج» غير معني «عضويّا» بالنداء، إلاّ أنّ ظلّه لا يزال كمثل «أشباح الخرافات» يراود المكان، بل يملك الندائيون جميعًا دون أي استثناء، يقينا يرقى إلى مرتبة إيمان الأنبياء، أنّ «الرئيس الشرفي» هذا، لا يزال ليس فقط «الفاتق الناطق» (بالمعنى الدارج في تونس)، بل (وهنا الخطورة) قادر على التعامل مع النداء والندائيين بمنطق «كن فيكون»، أي قلب الطاولة وإعادة ترتيب الأوراق وفق هواه ووفق ما يراه من منظوره الشخصي…

من ذلك لا أحد من بارونات «اليسار الندائي» يملك القدرة أو الشجاعة لمهاجمة «الأبّ المؤسّس» جهرا وعلانيّة، بل هو أقصى ما يستطيعون وما ذهبت إليه الجرأة عندهم، نوع من «الدلال» (بالمعنى الدارج في تونس) أو هو لوم طفل لأب يعامل الأخ معاملة أفضل…

الباجي و حافظيلعب الطرفان ويتقاتلان، وتسيل الدماء بينهما في الحمامات، ويطرد هذا ذاك من مقرّ البحيرة، و«عين الرّب ترعاهم» (الربّ بمفهوم الأبّ والكبير)، ضمن رغبة في استرضائه أو هي عدم إثارة غضبه، كمثل السكير الذي يعاقر الخمرة الحرام ويعتدي بالعنف الشديد على من يسبّ الجلالة أمامه… انفصام في الشخصيّة، يمليه الخوف من العقاب والطمع في الثواب…

يعلم الباجي (السيّد الوالد) جيّدا أنّ المعركة ستنتهي حتمًا بفوز شقّ الباجي (السيّد الابن) لاعتبارات تاريخيّة أوّلا ، وكذلك والأهمّ بالنظر إلى موازين القوى الداخليّة [راجع مقال الأمس]، لكنّ الأهمّ بالنسبة إليه، يكمن في الصورة التي تقدّمها هذه الحرب (دون رحمة أو شفقة) عن «صورة الزعامة التي فعل من أجلها المستحيل»، وكذلك وهذا الأهمّ مدى قدرة «أصدقاء الباجي (الابن)» على تجاوزه، واعتباره مجرّد «قنطرة»، حين يأتي موعد اختيار حاكم جديد على «عرش قرطاج»…

الباجي الأبّ بفطنته يدرك ثلاث عوامل جدّ خطيرة:

أوّلا: أنّ معركة النداء لا تعدو أن تكون سوى «الانتخابات الأوّلية» (على الطريقة التونسيّة) لحسم مسألة «الزعامة» في سرعة شديدة، حين لا يرضى البتّة هذا الشقّ أو ذاك، بأن تحين «المواعيد التاريخيّة» قبل حسم هذه المعركة، مهما كان السلاح ومهما سالت الدماء.

ثانيا: يدري الباجي ويعلم أنّ «الموعد التاريخي» يعني شغور «عرش قرطاج» (قد تتعدّد الوسائل لكن الغاية واحدة)، ليدرك أنّه بقدر أنّه «ربّ النداء»، أيّ «الأسد» (الذي يملك القدرة على قلب المعادلة في ثوان معدودة) بقدر ما هو «الأرنب» أو المكافأة التي يحلم بها الجميع، بل تسيل من أجلها الدماء.

ثالثًا: يدرك «السيّد الوالد» أنّ «السيّد الابن» لم يشتدّ عوده بعد، ولم يتمرّس على السياسة منذ نعومة أظافره (كحال خصمه محسن مرزوق)، ومن ثمّة تأتي «الحرب مع مرزوق» جولة أولى، في انتظار «تصفية» حساب «أعداء الغد» الذين هم «حلفاء بل جنود اليوم»…

من ذلك يأتي «الباجي» (الاب) الاشدّ حرصا على التمييز بين الشوطين، شوط الحرب مع محسن مرزوق، وشوط تنظيف النداء من «الطامعين» لمنافسة «الباجي» (الابن)، سلاحه في ذلك، ورقة «الجوكر» التي يملكها ولا يملك نظيرًا لها سواه، وكذلك عجز من هم في صفّ «الباجي» (الابن) على اللعب من ورائه أو خيانته، حاليا، لأنّ أيّ خيانة تجعل صاحبها منبوذا من الطرفين، حين سالت الدماء وصار الثأر هو سيّد العلاقة بين الطرفين. بل يمكن الجزم أكثر من ذلك، أنّ الباجي (الاب كما الابن) سيعمد إلى إطالة الحرب مع شق مرزوق، لتكون تعلّة ومناسبة سانحة للقيام بتصفيات «داخليّة»، ستبدو طبيعيّة لصعوبة المرحلة….

كلّ ذلك وسط ترقّب البلاد بكاملها (أو على الأقلّ الطبقة السياسيّة والاعلاميّة) لمسار هذه الحرب وتطوراتها الشبيهة أو الأشدّ تشويقًا من أيّ مسلسل تركي، كما تعمد الأحزاب جميعها (وخاصّة حركة النهضة) إلى عدم انتهاء هذه «الحروب» أوّلا، وثانيا  أن تتحوّل إلى أشبه بالمرض المزمن ضمن النداء، وثالثًا والأهمّ، استغلال الفرصة للانتشار داخل البلاد (أو اعادة الانتشار) في بعض المناطق، حين تاتي بعض قيادات النداء الميدانيّة (من الشق الدستوري) أقرب إلى شعار تعلموه وحفظوه بل استبطن الجميع أدقّ تفاصيله: «ربّي ينصر من أصبح (على الملك)»…

 

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي