ليبيا: تسمع بالتدخل العسكري خير من أن تراه…

15 فبراير 2016

زيارة وزير الخارجيّة التونسيّة خميّس الجهيناوي إلى الجزائر واللقاء مع وزير الدولة ووزير الخارجيّة والتعاون الدولي الجزائري رمطان لعمامرة، خرجا بجملة وحيدة، تستثني بقيّة الجمل وتختزلها، أي «رفض التدخّل العسكري الأجنبي» في القطر الليبي، مع ما يلزم من «الدعوة إلى التسريع بتشكيل حكومة الوفاق الوطني»…

على مستوى «التعبير اللفظي» لم يكن أحد يترقّب أفضل من هذه «العبارات» التي تأتي ترجمة للنوايا أكثر منها ذلك التعبير الحقيقي عن المصالح المباشرة، حين وجب التذكير والاعتراف، أنّه (في استثناء للنوايا) يمكن الجزم فعلا ودون الحاجة إلى دليل أنّ تونس والجزائر، تقف كلّ واحدة على نقيض الأخرى بخصوص الملفّ الليبي…

 

يجب التأكيد منذ البدء والجزم بذلك أنّ أيّ «تدهور للوضع في ليبيا» سيكون شديد التأثير على الوضع في كلّ من تونس والجزائر، بل (وهنا الأخطر) قد (ونقول قد لكل بلد على حدة) يُدخل المنطقة في أتون، لا يمكن تداركه وإن كان الجميع يعلم أضراره…

الوصول إلى تشكيل «حكومة الصغيرات» (نسبة إلى المدينة المغربيّة التي شهدت امضاء الاتفاق) ضروري ومن الأكيد قادر على فتح «كوّة أمل» أمام الشعب الليبي بكامله، لكن «التاريخ الحديث» (منذ اندلاع ثورة 17 فبراير) يثبت أمرين أكيدين في ليبيا:

أوّلا: لا معنى للسياسة أصلا، سواء في بعدها المباشر، أي تسيير شؤون البلاد والناس، من خلال «مؤسّسات» وعبر «أجهزة» خارج «التوازنات القائمة» وكذلك «المصالح النافذة» في البلد، وأوّلها «القوى القبليّة» وكذلك «التوازنات الجهويّة».

ثانيا: أثبت هذا التاريخ، أنّ كلّ مسعى لإيجاد أيّ «اتفاق» لا يحترم عامل «القبيلة» وكذلك «الجهة»، انتهى إلى فشل ذريع، مهما أتت «الديباجة الديمقراطيّة» أو «الاعترافات الدوليّة»…

يتأكد بالتالي أنّ أيّ «اتفاق» (في ليبيا) يبغي الدوام والاستمراريّة والترسيخ، لا بدّ ضرورة أن يعبّر أو بالأحرى أن يكون عند التقاطعات «المحليّة» (القبليّة والجهويّة)، وأيضًا هذا «الكمّ الكبير» من المصالح الاقليميّة والدوليّة المعقّدة جدّا، بل والمتناقضة، سواء بين بعضها البعض، أو (وهنا الخطر) من خلالها «حلفاء الداخل»…

 

الحرب في ليبيا

الحرب في ليبيا

يتأكّد بالتالي ومن باب اليقين أنّ أيّ اتفاق في ليبيا يأتي من باب درء «الأسوأ» وليس (أوّلا) البحث عن «الأفضل»، لذلك يلعب كلّ طرف داخلي، اقليمي أو دولي، لصناعة «الأسوأ» الذي يريد، بغية الدفع نحو «الأفضل» الذي يخدم مصالحه…. ممّا يعني أنّ صناعة «الأسوأ» تمثّل الباب «الأفضل» لدى كلّ جهة للتأثير في المعادلة ودفع الجميع نحو «الأفضل» الذي يخدم مصالحها… أحد أفضل صناعة «الأسوأ» تتمثّل في «قرع طبول الحرب» ومن ثمّة جعل الحرب قائمة «بين لحظة وأخرى» وأنّ «الآلاف من الجنود» سيغزون ليبيا، كيّ تذهب «الأطراف في الصخيرات» نحو الامضاء المحتوم.

 

على النقيض من (هذا) «الحلّ السحري/الساحر» لا تزال أطراف فاعلة تعتبر أنّ هذا «الاتفاق» (الموقّع في الصخيرات) لا يمثل أفضل حظوظها، أو لا يمثّل حظوظها بالمرّة، وبالتالي حالم أو غبيّ وساذج، من يتخيّر أن ليبيا بكاملها «من رأس جدير إلى السلّوم» ستطلق صرخة فرح جامعة، ابتهاجًا بهذا «الاتفاق» أو أنّ «الجماعات المسلحة» وكذلك الأطراف السياسيّة ذات الأذرع العسكريّة، ستخرّ ساجدة أمام هذا «الاتفاق الوليد»…

نفع الاتفاق (إن كان من ورائه نفع) يأتي على اعتباره أحد السبل الممكنة للذهاب نحو «تقاطع» (ممكن؟؟؟) بين الأبعاد القبليّة والجهويّة، وكذلك التوازنات السياسيّة، مسنودة أو هي قائمة (هذه التوازنات) على قواعد اقليميّة ودوليّة، ممّا يعني أنّ قراءة كلّ جهة للاتفاق هي التي ستحدّد مصير الاتفاق وليس الحبر الذي على الورق….

 

ليبيا تمثّل الآن مركز تناقضات استراتيجيّة عديدة، والاتفاق (في حال نجاحه) لن يتجاوز دوره تسكين الجراح وتضميدها، في انظار جولات قادمة، سواء لموقع ليبيا الاستراتيجي، أو لتأثيرها المباشر والفعّال وخاصّة «الخطير» (جدّا) على الجيران، أو (وهنا الخطر الأكبر) إمكانيّة (وهذا وارد) أن تفلت المقاليد من أيدي الجهات المسلّحة، وتتحوّل إلى ليبيا إلى «صومال جديدة».

لا أحد يملك مصلحة في أن تتحوّل ليبيا إلى «صومال جديدة» لكن لا أحد سينقذ ليبيا ويقبل أن تكون من «نصيب» (الأخرين)، سواء هذا الموقع الاستراتيجي المتميّز أو الساحل المفتوح على أوروبا، أو (وهنا يسيل اللعاب) صاحبة ثروة نفطيّة من أجود ما هو موجود في العالم.

 

فرنسا العاملة عبر التشاد أساسًا وكذلك مالي، تملك أكثر من يد في جنوب البلاد، وستقايض هذا «النفوذ» بما «استطاعت إليه سبيلا» ومن ثمّة تريد كما يريد غيرها، أن يجعل من «الاتفاق» مجرّد «اتفاق على التقاسم» من خلال «البيادق الداخليّة» وضغط من «الشرعيّة الدوليّة» التي تريد أن تنال نفط ليبيا هديّة من الليبيين أنفسهم، أي أن يقايض الشعب الليبي أمنه ووجوده بما تحت الأرض من خيرات وفوقها كذلك، ليكون جزاء اللبيين ودول الجوار أساسًا، ليس فقط «الخروج من المولد الليبي بلا حمص» بل «طحن الحصرم» في بلد ليس فيه حاليا سوى «الحجارة القابلة للطحن»…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي