من حريق دبيّ إلى عروس البحر: علامة الساعة؟

31 ديسمبر 2015

نعيش زمن الصورة بامتياز ونعيش زمن الصورة (أساسًا) القادرة ليس على اختضار المشهد، بل على صناعة الوعي وصياغة المفاهيم، ومن ثمّة تستطيع صورة، أو هي استطاعت أن تمحو سابقاتها، وتصبح الحقيقة الماثلة (لوحدها) أمام الجميع.

يمكن الجزم أنّنا أمام مجموعة من الصور تخصّ مجموعات من البشر، ويتقاطع بين هذه المجموعة وتلك خلق كثير، لكن صور الاحتفالات برأس السنة الميلاديّة (أو الإداريّة لمن هم على حياء)، تأتي شديدة البلاغة، ليس فقط، لاختزال هذه المناسبة «اهتمامات» (كبرى)، بل لأنّها (أي الفرصة) جمعت (ككلّ عام) بين الأماني والدعاء، في مقابل الاستهلاك، بل الافراط في الاستهلاك.

 

هزّت صورة الحريق في دبيّ، والمشاهد التي عرضتها القنوات من هناك، المشاهدين، الذين أبدوا (في الأغلب) «شماتة» تراوحت بين «تصفية الحساب» مع هذه الإمارة ومن ورائها الدولة بكاملها، لوقوفها ضدّ «الاخوان» أو هو «التدخّل في شؤون الغير»، وكذلك ضمن «نفس ديني» يستنكر (ما يقولون) «حال الفسق» التي وصلت إليه هذه الإمارة.

الإحالة على «الغضب الإلهي» متأكّد لدى العديدين، الذين اعتبروا أنّ «الله يمهل ولا يهمل»، سواء للدور السياسي للإمارة أو الدولة، أو لما هو «المجون» هناك.

وجب التأكيد أنّ (هذه) النفوس تحسّ براحة أو باستقرار أكبر عندما تمارس دور «المفسّر» لهذه «الظواهر» خصوصًا أمام هذا التزامن «المريب»، بل تستبطن دور «القاضي» وكذلك «المفتي» بهذا الربط «الربّاني» بين «الجريمة» مقابل «العقاب»…

 

Géant

عروس البحر في تونس

أخطر من هذه «الفتاوى» أنّ أصحابها (أو بعضهم) يقف في «منتصف الطريق» بين رفض هذه «الاحتفالات» وتجريم الفاعل، مقابل التحليل المطلق، حين يحتفلون بها «في حياء» أو هم يقبلون تبادل التهاني، كأنّ التبادل شكل «خفيف» لا يورث ذنبا أو هي «معصية» (كمثل ما هو في دبيّ).

أخطر من هذا «التنسيب» (المرضي) في ذاته، أن يعتبر كلّ واحد، نفسه «المرجع» وممارسته هي «الصواب» عينه، بين من أعلن رفضه الاحتفال واكتفى بالصمت والتراجع، وبين رفض واعتبر الأمر باب «معصية»، وصولا إلى الذين يرون الأمر «ركنًا مؤسّسا» لحياتهم وخاصة لهوهم وتمتعهم بالدنيا.

كالعادة، تدخل المعادلة، اعتبارات مثل «التطرّف» و«التسامح»، وتركب هذه «المعارك» مسطرة التجاذب «الكلاسيكي» بل «المزمن» بين الطوائف القائمة جميعها.

 

كذلك هزّت صورة فتاة أو امرأة، تمدّد على طاولة العرض، في صورة «عروس البحر» (دون عراء فاضح)، في مشهد عاجز عن أي إيحاء (إلى عروس البحر)، بل جاءت هذه الفتاة أو المرأة، أشبه ما تكون «بضاعة» (في ذاتها) قابلة للبيع!!

إنّها «صورة المرأة» في زمن التجارة والتنافس وفعل أيّ شيء من أجل تصريف البضاعة، زمن تراجع الاقتصاد (عامّة) واقبال الناس على الاستهلاك بهذه المناسبة (رأس السنة).

صورة هزت كلّ من وصلت إليه، فتاة أو امرأة ممدّدة، كمثل بائعات الهوى في دول لا تزال تجيز هذه الممارسة، للفرجة أوّلا، مع استثناء (في هذه الحالة) أنّ الاستهلاك يكون للسلع المعروضة، أما هذا الجسد الأنثوي، فيكون للاستهلاك الفرجوي…

 

قمّة التناقض ومنتهى التضارب، في بلد، يدّعي الحرّيات ودستور يحفظ الكرامات، وديمقراطية تؤكّد المواطنة. عرض امرأة (مع ما يحيل عليه الجسد الانثوي) لا يتفق مع «حريّة الابداع» وما هو «مباح» (بالأخلاق والعرف والقانون)…

المصيبة كلّ المصيبة أنّ القانون غائب أو مغيّب أو هو عائم وضبابي، والأخلاق ليست محلّ اجماع أو اتفاق بخصوص الحدّ الأدنى، كما أنّ العرف غائب لانعدام التراكم وكذلك العمق الزمني.

 

نحن فعلا أمام معضلة كبرى… نفوس يتملّكها الخوف وأناس يبحثون عن أمل، وشعوب عاجزة عن تحديد البوصلة (بوصلة المجتمع)، ممّا جعل الفرد يعتبر نفسه «مفتيا» والكلّ يرى في الأخرين (أو من يريد) من «المارقين» (على التقاليد)، أو المتخلفين عن ركب الحداثة…

 

هي جولة أخرى، من جولات تفتيت المجتمع، والهروب نحو «الذاتيّة» والبحث عن مخرج فردي، بما في ذلك «الإرهاب» على اعتباره الحلّ «الفردي»، أو «الفوقي» لكل مشاكل المجتمع…

 

 

زمن الأزمات وغموض الرؤية وتدنّي الثقة (أو انعدامها) في قادم الأيّام، كما نعيش راهنًا، يكثر اللجوء إلى «الغيبيات»، سواء جاء في صورة «إيمانًا دينيّا» أو صورة من صور الشعوذة المتدثرة بالدين، أو هو المسعى، كما حال أغلبية الناس مع نهاية سنة ميلاديّة وبداية أخرى، حين يوغلون في التفاؤل وتبادل الأمنيات، كأنّ اشاعة (هذا) التفاؤل، قادرة لوحدها على زحزحة الواقع من هذا الخوف أو الريبة الجاثمة على الصدور إلى أمل أكبر ومستقبل أفضل…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي