من نبيل إلى راشد: حلم القصبة وكابوس التفّاح…

16 يونيو 2016

لا مانع على المستوى القانوني أو السياسي أو حتى الأخلاقي والاعتباري، يقف بين حلم المواطن دافع الضرائب نبيل القروي، ووضع مؤخرته على كرسي رئاسة الحكومة في قصر القصبة، بل يمكن الجزم دون أدنى شكّ أو لبس، أنّ المستوى العام للطبقة السياسيّة الفاعلة والنشطة، ليس أفضل من مستوى (سي) نبيل القروي، ومن ثمّة وبالتالي، من حقّ هذا المواطن، أن يحلم ويسعى بل يعمل بكلّ قوته ويبذل أقصى طاقته لكي يتمكّن من تحقيق حلم حياته.

كلّ ما في الأمر أنّ صورة (سي) نبيل القروي لدى السواد الأعظم من الشعب أو هم المتلقين عبر شاشات التلفزيون لا تزال تتراوح بين «بلوطة» [قرط] في أذنه، وكذلك تلك «المناحة» [الصادقة في حينها] بخصوص «الأبّ الحنون»، إضافة إلى مزاج شعبي عام، يراه أقرب إلى «الفرجة» (ديدن القنوات التونسيّة) من «وقار» السياسة وكذلك «صرامة» ممارسة الحكم…

 

هي «الصورة» إذًا، ليكون السؤال الذي طرحه بالتأكيد (سي) نبيل القروي على ذاته، وعلى كامل «الحاشية» التي تحيط به:

هل يمكن الانطلاق من صورة «البلوطة» وكرامات «الأبّ الحنون» نحو قصر القصبة؟ هل هذا الرصيد سلّم يمكن الارتقاء فوقه، أم حاجز أو هو مانع بينه وبين «حلم العمر»؟؟؟

المسألة تأخذ طابعًا علميّا صرفًا، حين يحتكم الرجل إلى مؤسّسة تعمل في مجال الإشهار وصناعة الصورة، ومن ثمّة يمكن أن ندعوه إلى طرح السؤال من منظور علمي بحت، سواء تعلّق الأمر بما هو «شخصه» (المحترم بالتأكيد) أو (وهنا السؤال) صورة الرجل الماثلة أو الماكثة في مخيال شعبي يأبى التفريط في تلك «الكليشيات» النمطيّة…

 

نعيش فعلا، عصر «الإسقاط» (بالمفهوم السيكولوجي)، بل تحوّل الأمر إلى «هواء» يسبح فيه الجميع، من الوزير الذي عجز عن تفسير أفضليّة شمس المغرب عن نظيرتها في تونس، إلى (سي) نبيل القروي الذي لا يعلم ولا يدري أنّ ظهور مقال بذاك الشكل في يوميّة «لابريس» (الحكومية)، فيه مديح (مجاني بالتأكيد) لشخصه «الفريد من نوعه» هو بالتأكيد أقرب إلى «المهزلة» التي تقود إلى السخرية، ممّا يخلّف «الازدراء»، وليس «رفع لأسهم الرجل»، وصولا إلى «القيمة السياسيّة» الأولى والأرفع والأعلى مقامًا في تونس.

 

من الشيخ/الأستاذ/الزعيم/المرشد راشد الغنوشي الذي يعتبر أنّ تناول الموز أو التفّاح (المستورد) يساهم في تدهور قيمة الدينار إلى معالي الوزير إلى سيادة الحالم بقصر قرطاج، إلى فضيلة الشيخ/المرشد، الحال هو ذاته، «ذات» منعزلة عن «الواقع» ومنقطعة أو هي في انفصام سيكولوجي عن المتلقّي. وجب (بحسبّ كلّ منهم) أن نفهم الخطاب في ذاته، وضمن أبعاده المعرفيّة المجرّدة وفي قراءة لمعناه المباشر، أو هي الإشارة الأخلاقيّة القائمة (في الظاهر) دون أدنى اعتبار أو قراءة أو أخذ بعين الاعتبار لنفسيّة المتلقّي أو قدرته أو هو حقّه الطبيعي والمشروع، بل المفروغ منه لقراءة «الخطاب» وتقبّله ضمن نظريّة «التلقّي»، التي غابت أو هي منعدمة الوجود ضمن الحالات الثلاث.

Nabil-Karoui-Rached-Ghannouchi-et-Mehdi-Jomaa

الغنوشي والقروي

عندما نُعمل أدوات التحليل النفسي والتشريح المخبري بخصوص هذه الحالات الثلاث (ضمن سيل من الحالات المماثلة) نكتشف منذ الوهلة الأولى أمرًا خطيرًا، بل شديد الخطورة: وزير يتخيّل ذاته في صورة المتلقي، أي أنّه يخاطب ذاته، و(سي) نبيل القروي، يعتبر أو هو يحلم أن يفهم قارئ «لابراس» المقال في أبعاده اللغويّة المباشرة، في حين أنّ راشد الغنوشي تلبّس مقولة «الدين النصيحة» وما يحضّ عليه الدين الإسلامي من عدم التبذير إضافة إلى وجوب عدم الإسراف في الاستهلاك، ليحصر «خطابه» ضمن مبنى لغوي قائم على «النصيحة» مقابل «المعنى» المباشر، أي مخاطبة عامّة الشعب بما يرى أنّهم يفهمون، في علاقة بالموز والتفّاح.

 

عامّة هذا الشعب، يبحث ويحتاج إلى خطاب يقود أو يؤسّس إلى «الاطمئنان»، وحين نأخذ الحالات الثلاث، نجد فيها من «الاستفزاز» أكثر (بكثير جدّا) من (هذا) «الاطمئنان» المقصود أو المطلوب، لذلك جاءت «الهوجة» التي تلت كلام الوزير، ومن ثمّة جاء «الهرج» الذي خلّفه مقال «لابريس» دون أن ننسى ما هو «مزاج» شعبي يعتبر (عامّة) الموز من «الكماليات الضروريّة» في شهر رمضان الكريم.

 

لم يفهم المواطن راشد الغنوشي قبل الأستاذ والشيخ والمرشد والمفكّر، أنّ «قابليّة التقشّف» تسبق أو هي أساس (مشروط) لأيّ «قرار تقشّف»، أيّ لا يمكن أن نطلب من مواطن أن يتخلّى عن «الكماليات الضروريّة» في حين أنّه يرى ويشاهد ويشهد حالات بذخ، لا قبل له بها ولا قبل له بالوصول إليها. تكلّم راشد الغنوشي ونطق «الجملة/النصيحة» في صورة «رجل الدين» الذي لم يفصل ولن يفصل أبدًا (في دماغه وعلى مستوى الوعي) بين مقامه «الديني» وبين منصبه «السياسي»، تصرّف في استبطان أنّ «عمقه الشعبي» يقبل «كلامه» ولا يخضع بالتالي (وهنا الخطورة) للمؤثّرات الاجتماعيّة الطبيعيّة في كلّ المجتمعات وكلّ العصور (على الأقلّ الحديثة منها)…

 

عقل راشد الغنوشي عاجز أو هو رافض (سيكولوجيا) أن يمارس دور «الناصح» تجاه «الطبقات الأخرى» أي تلك «الأرقى» (بكثير) من أن يكون «التفاح» حلمها أو الموز غلتها المفضلة. طبقات تستورد «كماليات الكماليات» بمبالغ مبالغ فيها، من باب جمع فائدة الاستهلاك بتهريب العملة، لأنّ عقل راشد الغنوشي (دارس الفلسفة) يعلم ويدري علم اليقين أنّ «النصيحة» (في حال توجيهها) إلى تلك الفئة المتنفذة، ستكون ليس فقط «تدخلا في شؤونها»، بل (وهنا الخطورة) كسرًا لتوازنات هشّة يسعى راشد منذ «لقاء باريس» ليس إلى المحافظة عليها بل دعمها..


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي