مهدي جمعة: لا هداية ولا هم يُجمعون.

19 فبراير 2016

لا يحتاج المرء إلى ذكاء خارق أو ذكاء بالمرّة، ليكون على يقين بمفهوم الجزم الذي لا يحتمل النقاش، أنّ ما سيقدّمه مهدي جمعة عبر هذا «الكيان» الذي ابتدعه، لن يتجاوز قيد أنملة «التمنيات المنقوصة والأماني الناقصة» من جهة، وكذلك جملة من «الرؤى والبرامج» التي تجد البهاء ومن ثمّة المشروعيّة في ذاتها فقط وحصرًا، حين لا يملك الرجل «تراثًا» أو هي «ممارسة» يفاخر بها، حيث كان الرجل قبل أن يكون وزيرًا «مجرّد نكرة» ولم يكن ذلك «النابغة» عندما أمسك وزارة الصناعة أو جاء على رأس الوزارة الأولى…

حين نختصر المعادلة، يمكن الجزم أنّ (مثال) مهدي جمعي، يريد أن يقنعننا أنّ «المناصب تصنع الرجال» في حين أثبت التاريخ عكس ذلك، بمعنى «أنّ الرجال من يصنعون المناصب». موضة درجت عليها تونس منذ حكومة الغنوشي، بعد «تهريب» بن علي، عندما أدرج «جملة من النكرات» الذين لا ماضي سياسي ولا قدرة ثابتة، فقط تمّ تسويقهم في صورة «التكنوقراط» أي من أصحاب الكفاءة أوّلا وكذلك وهذا الأهمّ «دون لون أو طعم أو رائحة» (سياسيّة).

 

ثنائيّة «الكفاءة» وكذلك «انعدام الولاء السياسي» أسطورة فعلا صنعها حكيم القروي الذي أشار على محمّد الغنوشي بصناعة هذه الصورة من «نكرات» جمعتهم «دائرة إيريس» Cercle Iris، التي تكفّلت منذ منتصف التسعينات بتجنيد فيلق من التونسيين من «أصحاب الشهادات العليا» وكذلك (وهذا الأهمّ) يقدّمون صورة «الأنقياء من السياسة»…

مهدي جمعة

مهدي جمعة

لم يقدّم مهدي جمعة عملا ممتازًا على رأس وزارة الصناعة التي دخل بها إلى الحكومة، وهو الفاقد وعديم التجربة السياسيّة، بل ارتكب من الأخطاء التي لا تزال البلاد تعاني منها وأهمّها ملفّ «مناقصة الشركة التونسيّة للكهرباء والغاز» حين أمر شفاهيّا الرئيس المدير العام لهذه الشركة أن يقبل عرض شركة «ألستوم» Alstom، في حين أنّ هذه الشركة موجودة على القائمة السوداء للبنك المركزي التونسي بناء على قرار قضائي سويسري وملف كامل وشامل تلقّى منه البنك نسخة رسميّة وقام بتوزيعه (كما جرت العادة) على الجهات صاحبة القرار في البلاد التونسيّة… ليطير الرئيس المدير العام، وتنال هذه «المغضوب عنها» المناقصة بقدرة قادر…

 

كذلك أمضى مهدي جمعة في «الوقت الضائع» أي في نهاية فترة وجوده في رئاسة الوزراء قرارات مكنت شركات نفطية من امتيازات تنقيب «مثيرة للجدل»، في تجاوز تامّ للسلطة التشريعيّة، ودون أن يتّخذ الأمر طابعا «استعجاليّا» أو «الطابع الاستعجالي» الذي حاول من خلاله (سي) مهدي جمعة أن يبرّر تصرّفه. علمًا وأنّ المفاوضات في مجال التنقيب على النفط تأخذ مدّة غير هيّنة، لتداخل المصالح وتشعّب الاختصاصات، ومن ثمّة لا يمكن أن نسقطها في منطق «باعة الفريب»، حين يصرخون: «فرصة لا تُعاد يا مدام سُعاد»….

 

الملفّ الأخطر بل الذي يمكن الجزم أنّه أحد أسباب التوتّر الحاصل في تونس، يخصّ الإرهابي «أحمد الرويسي» حين صرّح رضا البوكادي سفير تونس السابق في طرابلس أنّه راسل الجهات المعنيّة في تونس عديد المرّات، قائلا ومن ثمّة مذكرّا، بوجود هذا «الإرهابي الخطير» لدى «حكومة طرابلس» التي عبّرت عن كامل الاستعداد لتسليمه إلى الحكومة التونسيّة، التي عليها أن توجه طلبًا في الغرض للجهات الليبيّة وفق الاعراف القائمة ووفق الاتفاقيات الموقعة بين البلدين.

رفض مهدي جمعة استقدام «الصندوق الأسود» للإرهاب في تونس، بل لم يكلّف نفسه (وفق رواية رضا البوكادي) عناء الردّ على المراسلات التي من الأكيد أنّ السفير السابق في طرابلس يحتفظ بنسخ عنها للاستظهار بها أمام القضاء وأمام التاريخ الذي لا يظلم ولا يرحم وخصوصًا لا ينسى…

 

بالمختصر المفيد، يريد مهدي جمعة دخول سوق لا تجربة له فيها أو هي تجربة قصيرة وغير ناجحة، حين جاء الخيار عليه من باب «إرضاء الجميع» وليس «الثقة في الكفاءة» لتمضي فترة وجوده في القصبة دون انجازات كبرى ودون انجازات تاريخيّة ودون تلك البصمة التي تصبغ ذاكرة المواطن…

نحن (وهنا المصيبة في تونس) أمام «باعة الهوى» وكذلك «تجّار الوهم» دون أن ننسى تلك المسحة من «الطوبائيّة»، حين لا تلزم الوعود (وفق قولة شيراك الشهيرة) سوى من يطلقها…

 

انعدمت في تونس وهنا المصيبة القراءات الموضوعيّة للبرامج السياسيّة، بل يمكن الجزم أنّ «إطلاق مهدي جمعة» أشبه بما هو «إطلاق حفاظات نسائيّة» أو (ربّما) «مبيد للحشرات» في السوق التونسيّة، أي اتكال على جميل النوايا وحسن المقصد، وأساسًا على علاقة النفع المباشر والفعّال بين «السلعة» (التي يتمّ الترويج لها) وما (هي) «حاجة المواطن» لها، أو ما قدّمه الإعلام على أنّها «حاجة أكيدة»…

 

دون الضرب في الرمل أو رمي الأقداح أو حتّى قراءة الطالع أو الفنجان، سيتّكل مهدي جمعة على الاعلام لتسويق «بضاعته» ومن ثمّة لن تأتي «مقنعة بذاتها» بل (وهنا الخطورة) بعدد المرّات التي مرّ بها هذا «البائع» في القنوات…

 

من سوء حظّ (سي) مهدي جمعة، أنّه يدخل «سوقًا» متخمة بمن سبقوه في «التجارة»، بل هم جماعة «متعوّدة دائمًا» (على قول عادل الإمام)، أيّ أنّه يراهن على صورة «الفتى النظيف ، المهذّب اللطيف» أمام «شيخين» يتباريان في «سرقة البيض» من تحت الحمام، كما جاء في الأسطورة…

لا يحتاج المرء إلى ذكاء رفيع، ليحسّ أن دور (سي) المهدي جمعة لن يزيد عن دور «الأرنب» في السباقات الكبرى، أيّ أنّه ذلك الذي يجري باكرًا دون القدرة على اتمام السباق، لأنّه (في بساطة شديدة) لا يمكن بل يستحيل صناعة الصورة لدى المتلقّي من فراغ، عكس نداء تونس (الذي يرث سلطة التجمّع ومن سبقه) وكذلك «النهضة» (التي تقدّم ارثًا، تراوح بين المنافي والسجون والشتات والمراقبة الإداريّة)، لذلك لن يقدر (سي) مهدي جمعة أن يذهب طويلا في السباق أو يواصل الرحلة مع «المخضرمين» سواء لضعف النفس بل انعدامه، أو (وهذا ما يراهن عليه البعض) أن يتحالف مع محسن مرزوق، الذي يستحيل أن يتنحّى عن ربع منصبه ارضاء لهذا الذي يبيع الوهم، لأنّ لا أحد (مهما كان الرأي في محسن مرزوق) يتخيله في شكل «الدبّ» الذي يقبل بدفع يده إلى «الحنّاء» بالمجان، حين لا يملك «الحنّان» (مذكّر «الحنّانة») مهدي جمعة سوى الوعود ولا شيء غير الوعود…


341 تعليقات

  1. الدكتور أنس الشابي

    مقال ممتاز و تحليل صائب 10/10

  2. نورالدين

    رائع و (بردت على قلبي ) ، اوصيت اخي نصر عند بعثك لموقع جدل بأن نتجنب في تعليقاتنا على مقالاتك التجريح و أشياء أخرى و لكن في مقالك هذا استعملت أرقى كلمات و تعابير التجريح.
    أعجبني المقال و انتظرت في الواقع أن يكون في جزء منه الحلقة الثانية من تحقيق سكوتلانديار مع “السيد” مهدي جمعة.
    تصبح على خير..

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي