مورو: المهرّج والمهرجان والهيجان…

7 فبراير 2016

في حركة أقرب إلى «النبلاء» على أرض المعركة أو الملاحم في المسرح اليوناني القديم، أو هي إحدى مسرحيات شكسبير، بذلك «السرد الرائع»، جاء قول «الشيخ» عبد الفتّاح مورو نائب رئيس حركة النهضة ونائب رئيس مجلس نوّاب الشعب، إلى إحدى الإذاعات التونسيّة، بأنّ «جميع السياسيين في تونس، وبما فيهم المنتمون لحركة النهضة كذابون، ويعطون أوهاماً للشعب.. ولا برامج لهم وكلامهم فارغ فقط لجلب الأصوات»…

مقولة بطوليّة، وموقف ملحمي، يعشقه الجمهور، بل يعتبره ليس فقط «قمّة المتعة»، بل ـ وهنا الأهميّة ـ «الصراحة» في بعدها الأقصى، وأيضا، «الاعتراف» في شكله الأمثل، إن لم نقل (من باب اليقين) «تعرية الخطيئة» في بلد طغى فيه «الفساد السياسي» وغلب عليه «النفاق الإعلامي»….

 

الغالبيّة العظمى من القراء أحسّ بلذّة عظيمة، ليس لاكتشاف حقيقة معلومة، بل لأنها جاءت على منطق «شهد شاهد من أهلها»، الذي ليس فقط «نائب» (بمجلس نوّاب الشعب)، بل نائب رئيس المجلس التأسيسي، وأساسًا وقبل كل شيء، نائب رئيس الحركة «الإسلاميّة» الأقوى في البلاد، حين حاول الإسلاميون (على مرّ العشريات السابقة) ودائمًا، حيازة أو هو افتكاك «رأسمال الأخلاقي» (من منظور ديني بحت)…

mourou_0

عبد الفتاح مورو

كلام مورو ليس الأوّل على شاكلة «قل الحقّ ولو كان مرّا». الرجل جعل حركته تتجرّع عديد المرّات العلقم، في ابتسامة القائل أو المعلّل بأن كلام (الشيخ) «مورو» دليل على منتهى «الديمقراطيّة» داخل الحركة…

 

صنع الرجل لنفسه صورة «الصوت المخالف» أكثر ممّا هو «السياسي المنضبط»، رغم ماضيه السياسي الحافل، وحاضره العامر، بل يمكن الجزم أنّ حركة النهضة، أرادت أن تورط الرجل وتتاجر به، أي أن تجعل في «قلب المسؤوليّة» وأيضًا أن تجعله يبدو في صورة «المسلم الديمقراطي» التي حار الغنوشي جدّا قبل أن يجد «الصورة المثلى»، التي مثل مورو المسمّى لها قبل التسمية…

 

لن يغفر مورو «للجماعة» (بعض القيادات الحاليّة لحركة النهضة) «الاتهامات» التي توجهوا بها نحوه إثر إعلان «البراء من الحركة»، كما لم يغفر هؤلاء له هذا «البراء» الذي فسره مورو باعتماد «قيادة الحركة» (حينها) سياسة في «الوجه» (اللين) وأخرى (العنف) في «القفا»، إثر عمليّة باب سويقة الشهيرة وما صاحبها من عنف على الساحة…

إنّه «زواج المتعة» أو «علاقة المصلحة» بين (هذا) «الحمل المنفرد»، مقابل «الجماعة»، التي حاول أن يلعب خارجها وبالأكيد ضدّها إبّان انتخابات المجلس الوطني التشريعي، فكانت الخسارة وكانت الهزيمة، بل (والأخطر) كانت الحقيقة:

أوّلا: لا أحد يغادر الحركة قويّا.

ثانيا: ينعدم أمل الحياة خارجها.

 

عاد مورو إلى قواعده، وفتحت الحركة باب «التوبة» (غير المعلنة) أمام هذا «اللسان السليط والمنفلت»، بل عملت (وهذه عادة الفكر الإخواني) على مزاوجة الاحتواء باللعب من خلاله. أي جعله قريبًا أو في «قلب الرحى» وأيضًا، «تثمين» جميع الفلتان الخطابي، في صورة:

أوّلا: وجود هامش من الحريّة داخل النهضة، يجعل منها حزبًا ديمقراطيّا

ثانيا: وجود «تيّار» داخل الحركة يمكن تسميته بالجناح «الليبرالي» أو الأكثر انفتاحًا ووسطيّة من غيره.

فهم مورو الذكيّ بالفطرة، أنّ بعد أن تقدّم به العمر، لا مستقبل له خارج الحركة، وهو العاشق للأضواء والمدمن على الكلام والمتشرّب بهواء المنابر التلفزيونيّة، بل يمكن الجزم أنّ الرجل من أفضل من يسوقون أفكارهم على وسائل الإعلام، لكن مع اختلاف شديد:

أوّلا: عجز الرجل عن تحويل الرصيد «الإعلامي» إلى «قاعدة شعبيّة» (فاعلة)، سواء على مستوى القاعدة الانتخابيّة أو قواعد الطيف الاسلامي،

ثانيا: تميّز قواعد حركة النهضة وقياداتها الوسطى بين ماضي الرجل، وما يحمل ويحيل عليه من «عتاب» (متبادل)، وما هو مقامه وقدره، بل صورته «الدعويّة» عند هذا العمق النهضوي بالأساس.

ثالثًا: يأتي مورو الأقرب والأقدر على «تنوير» صورة النهضة داخل الأوساط «المعادية» (تاريخيا) للإسلامي السياسي، حين يقدّم (صورة) «الاسلام التونسي» (المنفتح)، سواء داخل تونس (للتسويق الخارجي) أو داخل النهضة (للتسويق الانتخابي)…

 

جرأة مورو مساحة لا يقدر عليها سواه، بل يمكن الجزم أنّها أصبحت «أصلا سياسيّا» (على شاكلة الأصل التجاري) غير القابل للتفريط أو للبيع أو المساومة، وغير القابل للتقليص، حين لا يمكن لأيّ كان أن يتخيّل الرجل دون «سلاطة لسانه»…

 

رغم حشر «الإسلاميين» ضمن «قِدر الكذب» (خلال التصريح) إلاّ أنّ هذا «التصريح/الاعتراف» يخدم حركة النهضة أكثر ممّا يضرها، حين تأسّست صورة الحركة أو هي بدأت تميل (منذ تسلّم السلطة) إلى البراغماتيّة المعتمدة على «التوافق» أكثر منه ذلك «الطهر الديني» (المجرّد)، بل يمكن الجزم أنّ وجود مورو في الحركة وتقديمه هذا الدور، يعفي الحركة من «مشقّة» الإعلان عن «أشياء» لا تتوافق (بالضرورة) مع «الأبجديات المؤسّسة لمشروع الحكم» (لديها)…

 

الاعتراف سيغضب الكثير في البلد، وسيغضب البعض من الحركة التي عاد إليها هذا «الابن الضال»، لكن سينسى الجميع هذه «المزحة» غدا، في انتظار وترقّب «المزحة» (القادمة)…

 

lb


23 تعليقات

  1. انما الامم الاخلاق ما بقيت *** فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا
    هو واحد من اللاعبين “السياسيين” ذوي المستوى الضحل في الآداء المخادعين لكنهم بكل أسف الملعب السياسي التونسي لا يتواجد فيه حاليا غيرهم . وكما قال احدهم : الشعب يختار شبيهه. زايد الكلام.
    تحياتي أستاذ

  2. قيس عباسي

    هو “كاراكوز”لا يصلح الا لنبش الماضي الفلكلوري التونسي لافراز عمل للاستهلاك المسرحي اوالتلفزي محاكيا باسلوبه “ولد الربط” الحضرة.علئ خطئ “الهادي دنيا”

  1. تعقيبات: mammut store zurich

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي