هل 17 فبراير ثورة أم فعل جرذان؟

17 فبراير 2016

من تونس (أمّ «الثورات»)، مرورًا بليبيا ومصر وحتّى اليمن وسورية، لم تستطع (هذه) «الثورات» أن تحقّق «الاستقرار» أو تذهب بالبلاد نحو «المأمول» أو أن تحصل على «تأييد مطلق» أو أن تتحوّل إلى (ذلك) «الزخم) «الهادر»، القادر على اقتلاع «القديم» (البالي)، ومن ثمّة التأسيس «للبديل» (الثوري)…

كلّ المشاريع تراوح مكانها في أفضل القراءات تفاؤلا، خاصّة «التجارب العنيفة» التي ابتغت السلاح وسيلة لإسقاط النظام.

سقط نظام القذّافي وحلّ «الثوّار» محلّه في طرابلس، وحسب الليبيون(أو هو الحلم) أنّ «الدولة الجديدة» ستكون نقيض «كيان القذافي»، حين يستحيل للمراقب العادي كما لعالم الاجتماع السياسي، أن يطلق لقب «الدولة» على الكيان الذي أسّسه القذّافي وحكم من خلاله…

 

ثورة 17 فبراير

ثورة 17 فبراير

وجب التأكيد والاعتراف بدءا، أنّ القذافي لم يؤسّس الحدّ الأدنى الذي يجعل كيانه يتحوّل بالتدريج أو بالإصلاح نحو «الحدّ الأدنى» من الدولة المقبولة والقادرة على ضمان الحدّ الأدنى من الديمقراطيّة وحقوق الانسان، ومن ثمّة ودون السقوط في «نظريّة المؤامرة» راكم هذا الرجل من الظلم والقهر والطغيان والإذلال وحتّى الاستعباد والإبادة، ما يجعل النفس البشريّة العاديّة (في ليبيا) أميل إلى «الإسقاط» من خلال العنف (أيّ «الثورة» المسلّحة)، حين وجب الإقرار بأنّ الرجل وكيانه رفضوا التنازل عن أيّ شبر إلاّ تحت القوّة وبفعل السلاح.

كذلك وفي الشقّ المقابل، حاول الكثيرون من «الثوّار» جعل (هذه) «الثورة» (المسلّحة) ضدّ «كيان القذّافي» أشبه بالبيت القادر على «تطهير أيّ كان» من أدران الماضي وشوائب الحاضر، خاصّة وأنّ من «الثوّار» من استجار من «رمضاء» (القذافي) بما يمكن الجزم أنّها «نار» (برنار هنري ليفي) وأمثاله ممّن لا يمكن لعاقل أو مجنون أن يتخيّل لحظة واحدة أنّ قلوبهم على ليبيا وشعب ليبيا وخاصّة «ثورة ليبيا»…

سقطت «الثورة» أو هي «الحرب ضدّ القذافي» أو هي انحازت من «المشروع (الثوري) البديل»، إلى أن صارت الترجمان الحقيقي والتمثيل الصادق لواقع ليبيا القبلي وما هو «الواقع» (المؤلم) الذي أسّس له القذافي منذ أن انقلب هو رفاقه على نظام السنوسي…

 

لذلك من المشروع أن نتجاوز «مجرّد الوقوف ضدّ القذافي» تعريفًا لهذا «المشروع» والنظر في أيّ «ثورة» أقام أو أيّ «ثورة» يريد، وبالأخصّ بأيّ «ثورة» يبشّر في المستقبل…

 

على الأرض، وجب الاعتراف أنّ لفظ «ثوّار» لم يعد يعني «كتلة واحدة» أو هي «جماعة متجانسة»، حين اختلف بل تقاتل «إخوة السلاح» منذ البدء، بل تحوّلوا أو هم حوّلوا العلاقة بينهم إلى «ثورة» (جديدة) ينادي بها هذا ضدّ ذاك، أو هو ذاك يتّهم هذا، سواء بالانزياح عن «المشروع الثوري» أو أنّه من «فلول» (أو «أزلام») نظام القذافي…

مثل كلّ الثورات، أكلت الثورة الليبيّة منذ البدء عددا غير معروف من أبنائها، بل تحوّل الصراع العسكري بين «ثوّار» إلى تلك «المضغة» التي يردّدها هذا ويعيدها ذاك، بغية أو رغبة في تأسيس أو هو «استكمال الثورة»…

على أرض الواقع تعيش ليبيا (أسوة بكل الدول التي عرفت «الثورات»)، واقعًا على الأرض لا يمكن الجزم أو القول أو حتّى الادّعاء أنّه «حراك ثوري»، حين لم تقدّم (هذه) «الثورات» الحدّ الأدنى من «الثمار المرجوّة»…

 

هناك خطاب تبريري يرافق «الثوّار» بأنّ «الثورة المضادّة» (في أيّ من هذه البلدان) لم تستكن إلى «الهدوء» أو إلى «الرضوخ». الخطاب التبريري في ذاته دليل عجز عن فهم «ماهية الثورة» أو مسارها أو سيرورتها، بل هو «سقوط» (مدويّ) في «واقع خيال» يستبطن أو هو «يشترط» أن «تنسحب» هذه «الثورة المضادّة»…

 

في كلّ البلدان، تحوّل الاحتفال بعيد «الثورة» من «الافتخار بالمنجزات» إلى (مجرّد) «استذكار» للماضي، أو التذكير (فقط وحصر) بتلك اللحظة، التي يرديها «ثوّار» (اليوم) فارقة، بين عهد «الظلم والطغيان» في مقابل (ما يقولون أنّه) عهد «الثورة»…

مصيبة الثورات العربيّة، أنّها لم تغادر بعد، أو هي غرقت في «مستنقع الماضي والإرث التاريخي»، ولم تعد تملك الجرأة على استذكار «الحاضر» من خلال «المنجز» (الثوري) بل عبر التذكير بوجوب أن «تتواصل الثورة» وتكمل «حربها» ضدّ «الثورة المضادّة»….

 

يستحيل في ليبيا الآن أن نوزّع المشهد بين «ثوّار» يقابلهم «أعداء الثورة»، كما يستحيل القول أو حتّى مجرّد الادّعاء أنّ هناك «مشروعًا ثوريّا» رهن التطبيق أو هو «قائم» (جزئيا) على أرض الواقع. التناقضات التي لعب عليها القذافي لأكثر من أربعين سنة وجعلها منها إحدى الوسائل لقيام «كيانه» خرجت من «القمقم» وتحوّلت إلى «لاعبين» (جدد) على خارطة لا ضوابط فيها ولا قانون ولا موانع، بل لا حاكم يفصل بين المتخاصمين.

عندما يحتكم الليبيون إلى جهة خارج ليبيا، بغية تصفية حسابات داخليّة، تكون «الثورة» قد مرّت من «فعل مبادرة» إلى «فعل ماضي ناقص» (في أقصى الحالات تخفيفًا) حين لا يمكن لعاقل أو جاهل أن يتخيّل مجرّد التخيّل، أنّ هذا «اللاعب الدولي» الذي جاء مثل «الثعلب النصوح» قادر على «التحوّل» (لحظة واحدة) إلى «خائف على مصلحة الشعب الليبي»…

 

لم يصل (أو لم يستطع) الشعب الليبي طرح الأسئلة الحقيقيّة التي وجب على كلّ «ثورة» أن تسألها بمعزل عن النوايا المنقوصة والتمنيات الناقصة:

أوّلا: أيّ مشروع حكم هذا الذي أزاح الطاغية وبقي يراوح العنف والضبابيّة في الرؤية؟

ثانيا: أين الحدّ الأدنى من الاحترام للذات البشريّة في أبعادها المختلفة، وأي التأسيس لهذه الديمقراطيّة الموعودة؟

ثالثًا: كيف سيتمّ توزيع الثروات بين الناس وتأمين العيش الكريم القادر على حفظ كرامة عجز عن حفظها الطاغية؟

 

في غياب المشروع القادر على طرح هذه الأسئلة والقادر أساسًا على تقديم الأجوبة العمليّة والمقنعة، ستبقى ليبيا تحتفل بذكرى 17 فبراير كما يستذكر هذا الشعب أو ذاك حصوله على كأس العالم، مع إضافة الآلام والدماء وقافلة الشهداء التي لم تتوقف بعد، ومئات المهجرين داخل البلاد وخارجها، ومثلهم ممّن أكلتهم ثورة لم تشبع بعد…


تعليق واحد

  1. ليبيا ليست كدول الجوار اي كما قلت القدافي لم يترك شيء يمكن البناء عليه تركيبتها القبلية تجعل من سيحكمها لن يستطيع الا بتوافق ولا يوجد شيء اسمه الجميع قابل بنفس الفكر من منطلق ان الثورة كانت في طريقها لمعاقبة قبيلة القدافي ومن كان معه وحتى من كان ركيزة من ركائز حكمه حتى ولو كانوا قلة لكن القبائل تابى هذا وبدخول الامارات والسيسي تغيرت المعطيات اصبح جمع يشترون الذمم من امثال قذاف الدم بمد امثال جماعة ورشفانة بالاموال والمخدرات وبدء الخراب لكن الشعب اليبي متدين اكثر من الشعوب المجاورة ومتحفظ في اخلاقه لهذا حفتر ومن معه لم يجدوا القوة على الارض فكانت هزيمتهم عادية طال الزمان او قصر وسينتصر الشعب اليبي مهما كان اسم العدو ويبقى البناء دائما اصعب من الهدم

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي