يوم للحبّ والبقيّة للبغضاء والقطيعة!!!!

14 فبراير 2016

من «أرقى» مراكز الأبحاث في الولايات المتّحدة أين يتمّ التنظير لنظريّة «صدام الحضارات» إلى أيّ مقهى في أي منطقة في تونس، يتمّ ترويج «العنف» منقوعًا في «الابتسامة». معهد الأبحاث هذا يؤكّد على ضرورة «الصراع» مع «الحضارات الأخرى» (الإسلام على وجه الخصوص)، من خلال الابتسامة (طبعًا) والنادل المسكين يرمي في وجهك لفظ «تفضّل» في حدّة وعنف رغم الابتسامة الاصطناعيّة.

لم يعد العنف منزعًا «غرائزيّا»، بل صار (في الحالتين) أرقى درجات «العقل».

في الحالة الأولى يأتي الاعتقاد راسخًا بعلويّة «الحضارة الغربيّة» (فرعها الأمريكي بالخصوص) وحقّه في أن يكون (وفق نظريّة «نهاية التاريخ») المثال الذي وجب على الحضارات الأخرى اتّباعه، وفي الحالة الثانية، لا يمكن، بل يستحيل عن من يرى صاحب «المقهى» يجني آلاف الدنانير يوميّا، ينال منها هو «دراهم معدودات» أن يطلق «ابتسامة» (من القلب)…

 

لذلك جاءت حاجة المجتمعات التي تمارس «العنف» إلى ابتداع «فرص الحب» وجعلها في صورة «العلاج» أو هي «نفاق» (الذات والأخرين) بأنّ العنف (مجرّد) «استثناء» وليس «القاعدة» كما هو الحال.

يوم للحبّ....

يوم للحبّ….

تذهب مراكز الأبحاث في تجسيد عنفها حدّ دعوة صاحب القرار التنفيذي في الولايات المتّحدة إلى التدخّل العنيف والقاسي والمدمّر في أيّ بقعة من العالم، تحت تعلّة هذه «العلويّة» وما تمكّن من حقّ مقدّس، في حين (قد) يذهب النادل المقموع، حدّ الإيمان والتسليم والتصديق بهذه «العلويّة» التي تدعيها أيّ جهة ارهابيّة، تمكّنه (بالتالي) من ممارستها، أي أن ينتقل من مجرّد «مقموع وخنوع» إلى صاحب «اليد العليا» (بل الأعلى) ضمن المحيط الذي يختاره.

 

لم تعش البشريّة تنظيرًا للعنف ودعوات للحبّ، من ذات الجهة، كمثل ما تعيشه الآن. أصحاب «صدام الحضارات» القائمة «نهاية التاريخ»، يعلنون «الوصاية (العنيفة) على العالم» من منطلق «ديني». كذلك يفعل «النادل» (المسكين) حين حمل السلاح في «الرقّة» أو «سرت»، وهو يعتقد أنّه «مكلّف (من) الذات الالاهيّة»…

بين هذا الحدّ وذاك صار العنف سمة الشعوب والقبائل، مع فارقين أساسين:

أوّلا: قدرة السيطرة على العنف والتحكّم فيه بل تدجينه وجعله السلاح الاستراتيجي المكمّل والمعاضد لأسلحة أو هي أساليب أخرى للتدخّل.

ثانيا: قدرة توجيه العنف من منظور استراتيجي، أي عقلاني دائمًا، ممّا يطرح السؤال عن العلاقة (الجدليّة) الرابطة بين «العقل» (المفكّر).

في حال مراكز الدراسات الأمريكيّة، تأتي الغريزة متفوقة على العقل، لكن مع قدرة كبيرة على التمييز الاجرائي والوظيفي بينهما، في حين لا يميّز النادل الذي تحوّل إلى الارهاب، بينهما، ممّا يرتقي بالأوّل إلى مرتبة «العقل والتخطيط» وينزل بالثاني إلى درك «البيدق والتنفيذ»…

 

الاستثمار في «العنف» صناعة مربحة، بل هي أرقى الصناعات وأهمّها على الإطلاق، ويأتي «اللعب بالحبّ» جزءا من «صناعة العنف»، حين وجب أن يتمّ استثمار هذا «الثنائي» لتحقيق المصلحة، أيّ «ثنائي»: السيطرة الميدانيّة والربح المادي…

 

الاعلام يأتي المحرّك الأكبر والاستراتيجي لدولاب العنف وديناميكيّة الحبّ، بل هو يشتغل من خلالهما. العنف جزء من الفرجة والحبّ لا يكون حبّا سوى من خلال الفرجة.

برامج السياسة أساسها العنف والصراع والإطاحة، في حين صار الكلّ في حاجة لإظهار «الحبّ»، من الابتسامة الدبلوماسيّة إبان المباحثات السياسيّة بين من يعملون على افناء الطرف المقابل، إلى الزوج «الملتزم» الذي يعرض صورة زوجته «الملتزمة» من باب إعلان حبّه لها على الملأ (الافتراضي)…

 

من حقّ أيّ كان أن يمارس العنف على مدار السنة، لكنّ من الواجب (المقدّس) أن ينخرط في كلّ «ألاعيب الحبّ» على مدار السنة، بدءا بأعياد الميلاد، وصولا إلى «العيد الأكبر» (أي عيد الحبّ).

هو طقس وهو عادة، لكن حاجة لنفس تريد «ممارسة العنف» وكذلك «تعاطي الحبّ» ضمن ثنائيّة تأتي أقرب إلى «ثور الساقية» أو هو «جمل الصفصاف» (في تونس)، حين يمارس الدوران ولا شيء غير الدوران.

 

لم يحدث أن صار العنف سياسة رسميّة كما هو راهنًا، ولم يحدث أن مارست الانسانيّة الطوباويّة بهذا القدر. عنف الحروب على الشاشات مباشرة دون أن يحرّك متفرج (أو يكاد) رمش، وكذلك طوباويّة مبالغ فيها، حين يبكي الجمهور مدرارًا وفق إشارات من هذا أو إعلان من هناك

نعلم جميعًا ولا حاجة للتدليل أنّ العنف والحبّ هما ممّا يؤثّث النفس البشريّة، حين لا وجود لبشر «أخيار» (بالكامل) أو «أشرار» (دون منازع)، فقط ما تبدّل قدرة الإعلام واللعب عن بعد في استثارة هذا الجانب أو ذاك.

لذلك، تتأصّل الحاجة إلى العنف، ويعمّق الطلب على الحبّ، الأوّل يلبّي حاجة غرائزيّة والثاني يؤكّد بعدًا «انسانيّا» لا يريد الفرد أن يفقده….

 

صارت «ممارسة العنف» مقابل «التغنّي بالحبّ» شعارات تجاوزت الفوارق جميعها، بل تجتمع عندها البشريّة، جمعاء. كلّ يمارس من ناحيته، وفق المجال الذي يريده، قد يرسل الطائرات إلى الكونغو لإبادة قبائل بأكملها، ثمّ يبكي حرقة ويجمع المال لليتامى. لكلّ فعل زمن ولكلّ زمن موعد، والموعد يحدّده من يملك القدرة الاعلاميّة والسيطرة السياسيّة….

دون السقوط في البكائيات، هكذا هو حال العالم منذ القديم، فقط زادت وسائل الإعلام من تكثيف المشهد وعمق التأثير لا غير. حين يمكننا أن نشاهد مباشرة تسونامي في اليابان كما احتفالات عيد الحبّ في كاليفورنيا…

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي