العنف + الدين = خلطة الارهاب (الطارئ) أمّ الوجه الآخر لحضارتنا؟؟

28 نوفمبر 2015

التساؤل الأوّل الذي يخصّ «الارهاب» (ضمن الفضاء العربي الإسلامي) يتلخّص في نقطتين:

أوّلا: لماذا بإسم الدين؟؟؟

ثانيا: لماذا من خلال العنف؟ وخاصّة كلّ هذا العنف؟؟؟

عودًا إلى التاريخ (الحديث) يمكن الجزم أنّ الإرهاب (أي المشروع السياسي من خلال العنف المسلح) انطلق بُعيد الحرب العالميّة الثانية، في كلّ من ألمانيا الاتحاديّة (حينها) وإيطاليا واليابان، أيّ الدول الثلاث التي خسرت هذه الحرب، ممّا يعني (وتأكّد الأمر بعد ذاك) أنّ «العنف السياسي» (أي محاولة اسقاط النظام القائم من خلال العنف والحلول محلّه) جاءت كلّها دون استثناء معبّرة عن «أزمة مجتمعيّة» أوّلا، في علاقة بتوزيع الثروة والمناصب، ومن وراء ذلك «أزمة حضارة» في تعريف الذات وضبط العلاقة مع الدوائر المؤسّسة للوجود الانساني…

يمكن الجزم أنّ الفضاء العربي الاسلامي، عاش أو عرف صدمته الأولى مع نزول نابليون بونابرت شواطئ مصر «المحروسة» (حينها)، ليتيقّن هذا الشعب (المصري أوّلا ومن بعده جميع الشعوب الأخرى) أنّ مقولة «خير أمّة أخرجت للنّاس» لم تعد في توافق مع الواقع القائم حينها، ممّا يعني (دون أدنى شكّ) الاعتراف بالابتعاد عن الأصول الدينيّة «الصحيحة» (حسب تعريف كلّ جهة)، والأهمّ من ذلك وجوب الرجوع والعود إلى «منهج السلف الصالح»….

نشأت حينها، بل تأكّدت السلفيّة في صورة تزاوج نقيضين:

أوّلا: التناقض أو هو الانكسار العسكري ومن ثمّة الخضوع السياسي لأمّة أخرى (غير مسلمة)،

ثانيا: التناقض أو هو الخروج عن التعاليم الاسلاميّة «الصحيحة» (حسب تعريف كلّ جهة)…

لا تزال العلاقة مع الغرب والعلاقة مع «أصول الدين» تمثّل أشدّ الأسئلة سخونة عند طرحها، سواء على المستوى الفقهي، والتباينات القائمة بين كامل الطيف الاسلامي، أوّلا، وثانيا (وهنا الأخطر) كيفيّة ملء الفارق على مستوى العبادات والمعاملات التي تفصلنا (بالضرورة وفق تعريف كلّ جهة) عن الأصول المؤسّسة للدين الاسلامي.

يأتي العنف من أجل التأسيس لهذه «العودة» أساس ما نسميه «الارهاب»، حين يشعر من يمارسوه أنّهم في صدمة مع واقعهم وفي صدمة مع نقيض أصولهم، ليكون القطع مع الأوّل من خلال استحضار الثاني…

وجب الجزم أنّ «الإرهاب» يطرح ذات الأسئلة التي يطرحها المجتمع بأسره، مع اختلاف «العنف»، ممّا يعني أنّ الاشكال ليس في «مناقشة المسألة» بل في «كيفيّة طرحها»، مع تأكيد على قدر كبير من الخطورة، على اعتبار أنّ «الدونيّة الماديّة» التي شعر به جنود المماليك أمام جنود نابليون ليس فقط تضاعفت وزادت بشكل مرعب ومخيف، بل صار هؤلاء «غير المسلمين» إلى احتلال «بلاد المسلمين» (كاملة أو تكاد)، مع ما خلّف الأمر من ضغينة واحسان بالدونيّة وشعور بالقهر…

البغدادي-نابوليون

البغدادي-نابوليون

إضافة إلى الشعور بالنقص أمام حضارة الغرب، والشعور بالابتعاد عن «أصول الدين» وكذلك «قهر الاستعمار»، زاد الطينة بلّة والأمر تعفّنا، ليس فقط تعثّر «دولة ما بعد الاستعمار» (المسمّاة دولة الاستقلال) وعجزها عن تجسير الهوّة مع «الغرب» (الكافر) والتأسيس لمنظومة العود إلى أصول الدين، بل أنّ «دولة الاستقلال» (هذه) أخذت الكثير عن «دولة الاستعمار» من بطش وظلم، حتّى حسبها نزر غير قليل امتدادًا لسابقتها…

 

 

يمكن الجزم أنّنا أمام خلطة «سحريّة» قادرة على تأمين أسوأ انفجار حضاري على وجه التاريخ، فقط يلزم «الصاعق»، أيّ دفع هذا «العمق البشري الغاضب» (والحاقد) إلى المرور من «الكراهيّة الفكريّة» إلى «ممارسة الكراهيّة» أي «ممارسة (ما يسمّى) الارهاب»

الانقسام في قراءة الواقع، نتج عنّه أو أسّس له، انقسام في تقدير الأسباب التي قادت إلى مثل هذه «الكارثة» التي مسّت المجتمعات العربيّة الاسلاميّة (بدرجات متفاوتة) أغلبها يهدّد ليس شكل الدولة ونظامها، بل وجودها أصلا:

الصنف الأوّل:

يعتبر أنّ الأصل في «الدين» ذاته، وأنّ العنف متأصّل في «أصول الدين» ومن ثمّة لا حلّ (وفق هذه الفئة) سوى عبر المراوحة بين «تطهير الدين» من هذا «العنف» وكذلك «تحييد الدين» من خلال جعل «كلّ أشكال التديّن أو ممارسة الشعائر» تتمّ في أضيق نطاق ممكن…

الصنف الثاني:

يرى في أنّ الإشكال يكمن في «قراءة الدين قراءة خاطئة» على اعتبار أنّ «التشدّد» يكمن في «العقل الذي يستنبط ويجتهد» وليس في الدين ذاته، لكنّ هذا الصنف (الغالب عددًا) لا يزال عاجزًا تمامًا عن تقديم قراءة موضوعيّة للأسباب التي جعلت هذه «القراءة العنيفة» تتمّ وتكون.

الصنف الثالث:

يتبنّى فكر القطيعة مع الغرب، ووجوب «العود بالكامل إلى الأصول المؤسّسة للعقيدة» في تراوح بين من يرى الأمر إيمانيّا فقط (السلفيّة العلميّة)، وبين يرى القطيعة واجبة من باب «الولاء» (للخلفية المسلم ومن بايعه) في مقابل «البراء» (من سواهم)، مع وجوب «إعلان الجهاد» (السلفيّة الجهاديّة)…

تعايش هذه الأصناف الثلاث، وإن كان ممكنًا لسنوات خلت، سواء لعدم تبلور هذه القطيعة بعد، أو لوجود أنظمة مسكت البلاد بقوّة الحديد والنار، صار من ذلك أمرًا صعبًا لا يتهدّد الأنماط الاجتماعيّة الغالبة في كلّ بلد، بل المجتمعات ذاتها، كما هو الحال في سورية والعراق واليمن وليبيا، خصوصًا وبدرجات أقلّ مصر وتونس.

مصيبة الصنف الأوّل (الاستئصالي) دفعه نحو العنف والمواجهة، ممّا يجعله (بنيويّا) الحليف الأوّل للصنف الثالث على مستوى القطيعة والذهاب نحو العنف والصدام، كما يأتي الصنف الثاني أقرب إلى التبرير والبحث عن إجابات خطابيّة أكثر من مسعاه لتشكيل سدّ حقيقي أمام «عقدة السطوة» لدى الأوّل وكذلك «عقدة العنف» لدى الثالث.

تأرجح الأصناف الثلاث، في المعارك اليوميّة (الكلاميّة مع بعض الأحداث الارهابية) في تونس، وبدرجات متفاوتة في بقيّة الأقطار، يجعل من البحث عن حلّ خارج «نظريّة العنف الشامل» أمرًا صعبًا، ممّا يعني (حين يصعب الوصول إلى حلّ) أنّنا لسنا سوى في بداية أزمة قد تطول سنينًا…


2 تعليقات

  1. تعقيبات: buy Millet online

  2. تعقيبات: keen footwear online

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي