داعش: استرداد الرمز وليس تدميره…

19 مارس 2016

مرّت الجماهير العربيّة بدرجات متفاوتة من «الولع» (بالثورات) إلى «الهلع» (من الإرهاب)، بل ارتبط هذا بذاك، وصار الوثاق بينهما عضويّا، أيّ أنّ «الثورات» أنتجت «الإرهاب»، أو (في رواية أخرى)، جاء «الإرهاب» بسبب «الثورات» (حصرًا ودون غيرها)…

على مستوى التشخيص، يمكن الجزم أنّ «الإرهاب» اتخذ أبعادًا خطيرة بل يهدّد وجود الدول وحدودها، إن لم يكن قد ابتلع بعضها، منذ (هذه) «الثورات»، ليكون «التزامن» أو هو «التتالي» (على المستوى الزمني) من الأمور التي دفعت (أو بالأحرى يسّرت) «نظريّة المؤامرة» التي تنبني على «منظار الأخلاق» (أوّلا) الذي يستبطن بل يؤمن وينطلق من «الذات مقدّسة» وأنّ «الأخر» (مهما يكن هذا الأخر) «مدنّس»…

 

عن حمق وغباء، أو عن سذاجة وسخف، أو دراية وعلم، سقط «المقاومون للإرهاب» في «فخّ الإرهاب» ذاته، أيّ «تقديس» (الذات)، مقابل «تدنيس» (الأخر). أدوات الخطاب ذاتها، والمفاهيم العقليّة وكذلك القوالب اللغويّة، علمًا وأنّ هذا المنطق المتقاسم بين «الإرهاب» من جهة مقابل «مقاومة الإرهاب» يورث (لدى الطرفين) راحة نفسيّة خطيرة ورضا عن الذات أخطر. أيّ أنّ مجرّد التقوقع داخل منظومة المفاهيم هذه (لدى كلّ طرف) يحدث فعلا «رائعًا»، مقابل كرهًا مقيتًا للطرف المقابل.

في الملخص، يمكن الجزم أنّ «الإرهاب» وكذلك «مقاومة الإرهاب» يتقاسمان «المنطق ذاته»، من مواقع متناقضة، ولا يتناقضان على مستوى (شكل) «الخطاب»، لذلك تدور «الحرب (على) الإرهاب» في حلقات مفرغة، أو هي «متاهة» ضمن المعنى الإغريقي (الفلسفي)، أيّ أن تصبح «الحرب» هدفًا في ذاتها (لدى الطرفين)، بل تصير «الحرب» مناخًا وعالمًا (بذاته)، تنشأ عنه (أو بسببه) «حاجات جديدة» ومن ثمّة «طبقة جديدة» (من المنتفعين) أو «فريق» (من المتضرّرين)…

 

من الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ الإرهاب «جريمة» ضمن المعاني الأخلاقيّة والقانونيّة وكذلك جملة المرجعيات المرتبطة بالقيم الانسانيّة المختلفة من قيم دينيّة وغيرها… لا جدال في ذلك ولا نقاش، ليكون السؤال إثر البتّ والحسم في البعد «المعرفي» (أيّ التوصيف) في أمرين اثنين:

أوّلا: بعيدًا عن «نظريّة المؤامرة» وكذلك «النشوء الذاتي»، يكون السؤال عن الأسباب التي جعلت الإرهاب ينشأ في هذه البقعة دون غيرها؟ أيّ ما الذي يجعل «التربة العربيّة» ذات مردود عال جدًا، في حين يستحيل على الارهاب أن ينشأ في دولة مثل سويسرا؟؟؟

ثانيا: أثبتت جميع المقاربات التي «قاومت الإرهاب» أنّها (في أرقى الحالات) تحارب «الفعل الإرهابي» فقط، أيّ أنّها «ردّ فعل» مهما تكن درجات تدخلها، حين لم يسبق لهذه «المقاومة» في أبعادها العسكريّة أو الأمنيّة، أنّ أرجعت الوضع إلى «مستوى الصفر» أيّ القضاء على الإرهاب، بل اجتثاثه والذهاب بالمجتمع (والبلاد) إلى «حال من الاطمئنان الكامل»…

رجوعًا إلى الواقع العربي، حين يمكن الجزم أنّ الإرهاب متمركز ضمن هذا الفضاء أو ناتج عنه، ومن ثمّة تأتي «التهمة» سهلة جدّا، بل صار لفظ «الإرهاب» يحيل على درجتين:

أوّلا: الفضاء العربي الإسلامي على اعتباره الفضاء والمناخ في حدّ ذاته، في تناس أو تقليل أو تجاهل لجمله «الأفعال الإرهابيّة» الصادرة عن الأمم الأخرى وبقيّة الجماعات البشريّة في العالم.

ثانيا: صار على المسلم/العربي أن يثبت براءته عوض أن يثبت «الطرف المقابل» أيّ تهمة يريد، وبالتالي صار عل المسلم/العربي، ليس فقط أنّ يحدّد موقفًا من «الإرهاب» (الفعل) ومن «الإرهابي» (الفاعل)، بل من «الإسلام» ذاته، حين تتوزّع التهم، حتّى داخل الفضاء العربي/الإسلامي إلى الديانة ذاتها وليس إلى التطبيقات الناتجة عن فهم الديانة.

راية التوحيد

راية التوحيد

سقطت القيادات الفكريّة والسياسيّة الماسكة لزمام الأمور ضمن الفضاء العربي الإسلامي ضمن «منظار الرؤية» المعتمد من الغرب، وليس (وهنا الأهميّة) انتزاع المفاهيم «الجهاديّة» من «الطرح» (الإرهابي)، ومثال ذلك أنّ «راية التوحيد» المعتمدة من قبل (ما يسمّى) داعش، شكّلت لقرون «هويّة» جامعة لعموم المسلمين على مستوى الانتماء الديني.

 

محاربة هذه «الراية» (لذاتها) يمثّل (وهنا الخطر الأهمّ) تسليمًا للتيّارات الإرهابيّة بملكيتها لهذه «الراية» وما تحمل وما تحيل عليه من «رأسمال» (رمزي) على قدر كبير من الأهميّة ومن الخطورة.

 

لفظ «الجهاد» (ذاته) انتفت عنه التفسيرات جميعها ولم يبق منها سوى المعنى الذي يحيل على الإرهاب، ممّا يعني أنّ العربي/المسلم مخيّر بين طرحين غير مقبولين لديه عمومًا:

أوّلا: الانضواء ضمن هذا «المنظار الغربي» وبالتالي «التنازل» عن جزء من قناعاته وتعديل جزء أخر غير هيّن، دون نسيان الانخراط في منظومة «تدمير (رموز) الذات» …

ثانيا: التماثل مع الأطروحات «الإرهابيّة» من باب الدفاع عن «رأسمال» (الرمزي) التي تمثله هذه «الراية» ويمثله «فرض الجهاد» عند أيّ مسلم…

المسلمون عاجزون تمام العجز عن محاربة (ما يسمّى) داعش، لأنّ «ماكينة» (الحرب) الإعلاميّة والسياسيّة وكذلك العسكريّة (الغالبة)، ترفض قيام هذه الحرب من منظار «استرداد» الرموز، لتريد (وهنا الخطر) «تدمير» (هذه) الرموز، ممّا يدفع جزءا غير هيّن من المسلمين لدخول الحرب دفاعًا عن «الرمز» وليس تلاق (بأيّ صفة كانت) مع (ما يسمّى) داعش…

 

نقف الآن أمام مفترق خطير وعلى قدر كبير من الخطورة، عندما نرى «ماكينات» صناع «الإسلام» (المخفّف) عاجزة عن ترويج «منتوج مقنع»، سواء إمامة المرأة للصلاة أو قبول أئمّة شواذ، ممّا يعني أنّ رهان فصل «العمق المسلم» عن (ما يسمّى) داعش، لم يزد سوى دفع أعداد متزايدة من المسلمين نحو «الطرف المقابل» سواء من باب «الرفض والانزواء» (السلفيّة المسمّاة علميّة)، أو «اتخاذ موقف العداء والعنف» (السلفيّة المسمّاة جهاديّة)، علمًا وأنّ المرور من الأولى إلى الثانية مسألة وقت وترقّب. حين حسمت النخب الحاكمة في بلاد المسلمين (الثقافيّة والسياسيّة) أمرها بالحرب على الرموز وليس استردادها، لنسأل (دون السقوط في «نظريّة المؤامرة»): هل ما نراه «غباء» (في أبهى حالاته) أم «سوء تنظيم» (محكم)؟؟؟ خاصّة من الجماعات المتماهية مع «خطاب اسلامي»…


46 تعليقات

  1. المقال أعجبني وأكثر ما أعجبني فيه هو توصيف الحرب على الإرهاب ب “الحرب على الرموزو ليس إستردادها”
    سكرا أسستاذ نصر الدين على مساهماتك في تقديم مادة مختلفة ومتفوقة على ما ألفناه من البركة التي يسبح فيها أغلب إعلاميونا

  2. صواب “إننا نعيش في “جمهورية القرودة”

  1. تعقيبات: hermes department store

  2. تعقيبات: pink outlet store

  3. تعقيبات: buy Millet jackets

  4. تعقيبات: discount barbour

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي