سورية وتركية: يتبادلان الغباء…

26 يونيو 2016

صورة «الحبر الأعظم» أيّ «بابا الكنيسة الكاثوليكيّة» في أرمينيا، يقف قبالة حدود هذا البلد مع تركيا، ويتحدّث عن «المجزرة التركيّة» تجاه الأرمن، في سابقة أولى وخطيرة من صاحب هذا المنصب والمقام، الذي ينطق هذه «الكلمة» لأوّل مرّة، تتزامن مع وصول رئيس مخابرات دولة العدوّ الصهيوني للتباحث مع «زميله» رئيس المخابرات التركيّة، حول «أمّهات المشاكل» بين البلدين، وهي مشاكل انطلقت أو تعمّقت إثر الاعتداء الصهيوني على سفينة «مرمرة»…

صورة متكاملة بحسب البعض أو متناقضة بحسب الأخرين، لكنّها تلخّص «المأزق التركي» على مستويين أو هي جبهات عديدة، حين صار «الهجوم على تركية» (الأرمني/الغربي) إلى أعلى مستوياته، في مقابل «تراجع/تنازل» عن سقفها الذي حدّدته مقابل «تطبيع» العلاقات مع دولة الاحتلال، أساسًا رفع الحصار عن غزّة»، بل ذهب الصهاينة حدّ اشتراط «طرد قيادات حماس من تركية»…

 

انقلاب في الصورة بل هو تناقض في المشهد في بعده الزمني، ومن ثمّة لا يمكن الحديث عن «عفويّة» أو «تزامن» بين صورة «البابا» وهو يبكي ضحايا «الخلافة العثمانيّة» من الأرمن (وربّما غيرهم في المستقبل) في مقابل «انكسار» أحفاد «العثمانيين» عند «أسوار عكّا» (رمزيّا)، حين عجزوا بل هم أخفقوا اخفاقًا شديدًا في تحقيق ما كانوا أكدّوا أنّه سقفهم الذي لن يتنازلوا عنه ولن يتراجعوا.

أردوغان ـ الأسد

أردوغان ـ الأسد

كلّ هذا يتمّ ويصير، على مشهد القوّات الغربيّة (من عدد متزايد من البلدان) وهي تتوافد على شمال سورية لتنصر «قوّات سورية الديمقراطيّة» وتطعن «الدولة التركيّة» من الجنوب، بعد أن طعنها «الحبر الأعظم» من الشمال وانكسرت «سيوف» قيادة «العدالة والتنمية» أمام الصهاينة…

 

ليس «الحبر الأعظم» وحده من يقف باكيا ومتأثرا بما يسمّى «المجزرة الأرمنيّة»، حين بدأ «النظام السوري» هو الأخر ليس فقط يعزف على هذا الوتر، عزفًا تعلو وتيره، حدّ نصب التماثيل تخليدًا لهذه «المجزرة»، بل انطلق الإعلام الموالي له في «بكائيات» تؤرخ لهذا «الحدث»…

 

تركية تقف منفردة ومنعزلة أمام هذه «التحديات»، لا دولة تسندها ولا حلف يدعمها، بل سيل من «الشماتة» وكمّ هائل من «الكراهيّة» أو هو «ردّ الجميل» من قبل «النظام السوري» الذي يقف على جبل أو هي جبال من «الثأر» التي تفصله عن جاره التركي، من «جمال باشا» إلى لواء إسكندرونة…

قراءة بسيطة للواقع وتلخيص مباشر للتاريخ، يثبت بما يدع للشكّ أنّ الأتراك في تعاملهم مع «الأحداث في سورية» تحركوا وفق:

أوّلا: التعالي «التركي» المترسخ منذ زمن الانحطاط العثماني الذي تجسّد عبر مجازر سفّاح الشام «جمال باشا»،

ثانيا: الحلم أو هو «الهوس» بإعادة تأسيس «امبراطوريّة (عثمانيّة) جديدة» تمكّن من استعادة أمجاد الماضي

ثالثًا: «النقمة الاخوانيّة» على «نظام البعث» (العلماني)، ومن ثمّة الثأر من هذا الذي أذاق «إخوان سورية» الأمرين.

يمكن الجزم أنّ هذه «الثلاثيّة» أسّست لكمّ (هائل جدّا) من العنف والكراهيّة، جعلت النظام التركي لا يتورّع عن أيّ فعل، من أجل ليس فقط الفوز على النظام السوري بل تحطيمه واستئصال جذوره، حدّ الوقوف وراء أيّ تنظيم «معتدل أو ارهابي» (في حال وجود فوارق) بالمال والسلاح والرجال (القادمين من كلّ حدب وصوب)…

 

في المقابل سقط النظام السوري في دوّامة الانتقام والسعي (كذلك) في «لعبة» تدمير تركية بكاملها، حين انخرط عن وعي وإرادة أو عن سذاجة في «منظومة» التدمير هذه، حيث شرع الغرب في زرع «سرطان كردي» في سورية، تعتبر دمشق أنّه سيضرّ بالدولة التركية أكثر من الضرر بها!!!!

كذلك انخرطت دمشق في العزف ضمن «الجوق الأرمني» في انتظار فتح «الملفّ القبرصي» وحديث وسائل الإعلام (الغربيّة) عن «الاحتلال التركي» لما هي «أراض أوروبيّة» أيّ «مسيحيّة»!!!!

 

أيّ طرف من الجهتين (التركي أو السوري) سيتحدّث عن «مجازر الطرف المقابل»، ومن ثمّة سيسقط أو هو قائم أو بالأحرى متأصّل ضمن منطق «الانتقام»، ولا شيء غير «الانتقام»…

كما استفاقت القيادة التركيّة على حقيقة بسيطة وبادية للعيان، بأنّ «تدمير سورية» (الدولة والشعب والحضارة) الذي كانت أكبر المشاركين فيه، انقلب وبالا عليها، بل خطرًا يتهدّد تركية (الدولة والشعب والحضارة)، ستستفيق القيادة السوريّة (يومًا) أنّ «الشماتة» التي تمارسها تجاه تركية ستنقلب عليها وبالاً على وبال، حين لا يخفى عن الساذج كما الذكيّ، أنّ تدمير أيّ دولة ينقلب (وفق قانون ثابت) إلى خطر استراتيجي على الدولة المجاورة.

 

لم تكن القيادة التركيّة (عند اندلاع الأحداث في سورية) تملك الحدّ الأدنى من العقل والعقلانيّة، حين كان بالإمكان أن «تلعب» وفق ما يحفظ الحدّ الأدنى من الاستقرار في سورية، ليكون ردّ القيادة السوريّة لاحقًا بما يحفظ الاستقرار في تركية…

 

ليست أزمة «من بدأ»، بل أزمة فكر وحضارة ونخب، سقط جميعها بل هو لم يغادر عقل «جمال باشا» الذي لم يكن له من همّ (أسوة بما يسمّى داعش) سوى «الإبادة» بل الاستئصال والمحو، ليمارس الجميع السياسة وفق قاعدة «الانتقام» ولا شيء غير الانتقام، المغمّس في العواطف (الطائفيّة) الجياشة والإيمان (المغمّس في العنف والإبادة)…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي