وزير الخارجيّة الايطالي : عاري المؤخرة وفي يده صليب.

2 يوليو 2023

«يوجد حدّ أدنى من مشترك يشدّ أوروبا إلى المسيحيّة. من رومة إلى برلين، ومن باريس إلى لشبونة، ومن مدريد إلى أثينا، وإلى حدود البلدان الواقعة في البلقان، يعترض الصّليب دائمًا طريقنا. من ذلك، علينا الدفاع عن قيمنا وعن هويّتنا وعن جذورنا»…

هذه التغريدة «الحماسيّة» صادرة عن (معالي) وزير الخارجيّة في الحكومة الإيطاليّة القائمة راهنًا أنطونيو تاياني، قادرة أو هي فعلا تنعش قلوب فئات غير قليلة من الأوروبيين عامّة ومن الإيطاليين خاصّة، الحالمين بوحدة «الفضاء الأوروبي» تحت شعار «الصليب»…

عندما نترك الشعارات الرنّانة والخطاب الحماسي جانبا، ونغوص في أعماق الواقع الأوروبي، نجد أنّ هذه «الوحدة» لا تملك الشرط الأدنى لتتشكّل في صورة «كيان قابل للعيش» فعلا، بعيدًا عن الاستغلال الاعلامي القائم على دغدغة العواطف الجيّاشة…

 

على المستوى المسيحي البحت، لا تمثّل أوروبا ذلك «التجانس» (في حدّه الأدنى) القادر على مسح ماض دموي لا يزال متحفّزًا في الضمير الشعبي، بين الطيف الكاثوليكي داخل «كنيسة رومة»، أي الفاتيكان، مقابل طيف ثان من البروتستانت الذي لا يزالون يحملون في الذاكرة الجمعيّة (ما يسمّى) «الحروب الدينيّة» وما هي مذبحة «سان برتلمي» la Saint-Barthélemy التي انطلقت يوم 24 أوت 1972 إلى حدود يوم 30 من ذات الشهر وذات السنة، في العاصمة الفرنسيّة باريس، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من البروتستانت خاصّة.

هذا إضافة إلى تراجع «الوازع» الديني في القارّة العجوز، وأيضًا، ما هو الصراع الوجودي مع الكنيسة الأرثوذكسية.

Fz-Gi2DWIAYIYTKمن ذلك تأتي تمنيات (معالي) الوزير في الحكومة الفاشيّة الحاكمة، تتمّة لمقولات أكثر من بابا فاتيكان، ردّد الكلمات ذاتها، مع إضافة وجوب تسليم الطوائف المسيحيّة الأخرى بريادة الفاتيكان، وكذلك بضرورة «التوبة» والعود إلى «حظيرة» الكنيسة الكاثوليكيّة، بحدّ السيف إن لزم الأمر…

 

منذ عصر النهضة في أوروبا ارتقت المصالح الاقتصاديّة للدول القُطريّة لتصبح المحدّد الأهمّ لسياسات الدول الأوروبيّة. من ذلك أنّ الحروب التي واجه فيها الاسبان الإنجليز، تمتّ رغم اشتراك الطرفين في حمل شارة الصليب، الذي باسمه قاتل الاسبان دفاعًا عن «الكاثوليكيّة» والإنجليز عن «الانغليكانيّة»….

أسوة بجميع الشارات الدينيّة في جميع الأديان، حمل الصليب المعنى ونقيضه، بل كثيرًا ما قامت المعارك بين طرفين، كلاهما يدّعي خدمة الصليب، ومن ثمّة لا يكفي الحديث عن «الصليب» (المشترك شكلا) للجزم أو حتّى مجرّد الادّعاء بوجود هذه القيم وهذه الهوية وهذه الجذور المشتركة…

العداوة المفتوحة بين كلّ من إيطاليا وفرنسا راهنًا، لا تشفع فيها «الهويّة المسيحيّة» (المفترضة) المشتركة بين البلدين.

 

هذا لا ينفي وجود «مناخ عامّ» يفرز أو هو يسعى لبلورة «وعي جمعي» أوروبي، لا يقوم على «وحدة الصليب»، بل، وهنا لبّ المسألة، وما يستبطن نصّ (معالي) وزير الخارجيّة الإيطالي، على وجود «عدوّ مشترك»، جامع، تتراوح سيماته بحساب كلّ بلد، بين «المغاربي» بالنسبة لدول الجنوب الأوروبي، والمشرقي عامّة بالنسبة لدول الشمال.

عقدة خوف يتمّ استغلالها للتغطية أو هي التعمية على جميع التوتّرات الاجتماعيّة. قام إيمانويل فالس رئيس الوزراء الفرنسي بتمرير قانون الشغل الذي أثار معارضة شديدة، من خلال البند الثالث من الفصل 49، وسط تفجيرات ارهابيّة هزّت فرنسا، وجعلت الحديث أيّ حقوق اجتماعيّة (كما هو الحال راهنا) ترفًا إن لم تكن «خيانة» موصوفة….

OIPالعزف على وتر «الخطر الداهم» من الخارج، يمثّل الرابط المشترك، بين جميع الديمقراطيات الليبراليّة في أوروبا ممّا أدّى إلى صعود في شعبية الأحزاب ذات التوجه العنصري، أو (والأمر لا يقلّ خطورة) نزوح أحزاب اليمين التقليدي وحتّى وسط اليسار إلى منطق عنصري.

 

وقوفا عند نصّ (معالي) وزير خارجيّة الايطالي، يمكّن المراقب العادي والبسيط من فهم أنّ الصليب «كاف» بذاته، ليكون السؤال عن عدم انتفاع «المسيحيين» من غير الأوروبيين بهذا الانماء المشترك.

 

ما يشدّ أو ما يبحث عن تأسيسه الفكر «الصليبي» الذي ينظّر إليه (معالي) الوزير، يتأسّس على ثالوث «النبيّ اليهودي / الفيلسوف الإغريقي / المشرّع الروماني» وهي هويّة قامت متجاوزة «إرث الصليبي» المشترك بين الشعوب المسيحيّة.

من ذلك يستطيع هذا الثالوث الجمع بين «هويّة الصليب» وفي الآن ذاته، رسم دوائر حمراء لا يجوز لغير الأوروبيّة ولوجها.

 

على هذه القاعدة استغلّ مسيحيون في الولايات المتحدة أبناء دينهم وجعلوا منهم عبيدا في زراعة القطن…

على ذات الشاكلة، لا يتورّع «مسيحيون» في ايطاليا راهنًا على استغلال أبناء دينهم من الأفارقة (الكاثوليك أساسًا) دون تمييز عن المسلمين….

جميعهم لا يمكن أن يكون ذلك البشر الذي يستحقّ الاحترام.


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي