الروس: الإعلان شيء، والانسحاب أشياء أخرى….

14 مارس 2016

الخبر اتّخذ «لغويّا» أكثر من وجهة، هو «تخفيض» أو «انسحاب» لكنّه (في كلّ الحالات) قرار سياسي، أو هو يحمل أهدافًا سياسيّة، قبل أن يعني الأبعاد العسكريّة المباشرة.

صراع على «المعنى» (العسكري) الحقيقي: هل هي «هزيمة» (استباقيّة) للروس الذين آثروا المغادرة، أم نحن أمام «استكمال المهام» التي جاءت من أجلها هذه القوّات؟

 

صراع «التأويل» هو الغالب، لأنّ لا أحد قادر على تقديم «حقيقة» ترضي الجميع، لكن من الأكيد أنّ الروس ليسوا من السذاجة، للمغادرة من باب «الخوف» من بلد يتحدّد على أرضه مستقبل الانسانيّة جمعاء.

الجيش الروسي في سورية

الجيش الروسي في سورية

يدري الروس والأمريكان وكلّ الأطراف الفاعلة (مهما كان دورها) أنّ المعركة تأتي (استراتيجيا) أوسع بكثير من رقعة التراب السوري (بالمفهوم الجغرافي) أو حتّى سورية والعراق، عندما ندمج المعادلتين في بعضها، أو ربّما وسّعنا الدائرة لتشمل كامل شرق المتوسّط والشرق الأوسط. لذلك لم يعد من «تبرير» لوجود مقاتلين من كلّ بلدان العالم «ضدّ النظام»، كما لم يعد من تبرير لقدوم الروس ومشاركة حزب الله ودعم جماعات عراقيّة للنظام السوري. المعادلة أوضح من الشمس.

 

من الأكيد أنّ الروس (مهما كانت الأسباب) يسعون لتصريف «الاعلان» في صورتين:

أوّلا: أنّ الجيش الروسي استكمل مهامه وأتمّ ما جاء من أجله،

ثانيا: أنّ الجيش السوري (ومعه) قادر على تحمّل الأعباء واستكمال المهمّة.

فرقعة اعلاميّة جيّدة في حال وجدت من يصرّفها ويدفع بها لتحسين صورة النظام وخصوصًا صورة روسية، خاصّة وأنّ الطيف المعادي لروسية ودورها في الشرق الأوسط (أي في سورية) أقسم وأغلظ في القسم، بل ذهب إلى أغلظ الأيمان وأوكدها، أنّ الروس جاؤوا للبقاء، ولم يغادروا أبدًا، إلا في حال الهزيمة العسكريّة (كما كان الواقع في الشيشان).

ها هم الروس يسوّقون العكس بل النقيض، وبذلك ينفون «التهمة الامبرياليّة» التي ألّفها الخصوم (بل الأعداء) عن هذا الوجود.

 

وجب التذكير بأمرين على قدر كبير من الأهميّة، حيال الوجود العسكري الروسي في سورية:

أوّلا: أنّ القوّات الموجودة، لا تتعدّى سلاح الجوّ، ووحدات للتجسّس الالكتروني وما شابه من وسائل التشويش على «الأعداء»، مع بعض الألاف من قوّات النخبة، التي تنحصر مهمّتها في «الدفاع عن القواعد الروسيّة» (لا غير).

ثانيا: قياسًا بالولايات المتّحدة التي تمتلك عدّة قواعد ضخمة في الخليج خاصّة، تأتي القوّات الروسيّة قليلة العدد، ومن ثمّة، لا غاية للروس في تثبيت الوجود بقدر ما هو أداء المهام.

 

من ذلك يستحيل على أيّ جهة أن تؤكّد هذا الانسحاب أو تنفيه بما يكفي من الأدلّة، ومن ثمّة، سنبقى أمام صراع «الحقائق» (أي التصريحات) وحرب التأويلات، والذهاب إلى التفاسير والتفاسير المعاكسة.

من الأكيد أنّ الروس قلبوا الموازين العسكريّة بوجودهم في الأجواء السوريّة، وقد مكنّوا جيش البرّ السوري من احراز تقدّم على مستوى عديد الجبهات، ومن الأكيد أنّ القوّات الروسية، جاءت وحاربت أعداء النظام أيّنما اقتضت الحاجة ولم يركنوا إلى مطالب الغرب بقصف (ما يسمّى) داعش فقط. لذلك، يكون من الاجحاف القول (أو هو الجزم كما يفعل البعض) بأنّ هذه القوّات «لم تفعل شيئا»، لكن في المقابل، ورغم احراز جيش النظام وحلفاؤه تقدما على عديد الجبهات، إلاّ موازين القوى ليست محسومة لصالح النظام، ممّا يعني، بل يدعو إلى السؤال:

أوّلا: هل فضّل الروس «الضربة الاعلاميّة» (بإعلان الانسحاب) على اتمام المهمّة وتأمين الوضع لصالح النظام؟

ثانيا: هل أدّى الروس الجانب الأكبر من المهمّة وحسموا الأمر لصالح النظام، ممّا يمكّنهم من «الانسحاب وهم ثقة في مصير المعارك»؟

الجزم سيكون بالشيء ونقيضه بين طرفي الصراع، سيخرج أو خرج من يقول، أنّ الروس فضّلوا «مرارة» (الواقعيّة) على «حلاوة» (الوهم)، ومن ثمّة يغادرون المنطقة وقد فسحوا المجال للقوّة الأكبر الولايات المتحدة، مع صغار الحلفاء من دول الخليج وتركية والكيان الصهيوني.

 

في الضفّة المقابلة، لم تعد الأمور كما كانت من قبل أو مثل الأوّل، (ما يسمّى) داعش، صار عدوّا لدودًا من «الموصل» (في العراق) إلى «بن قردان» (في تونس) وبالتالي، صار تعبير «المعادلة السورية المعتدلة» في حاجة إلى تفسير، بل تثبيت في المعنى بعد أن رفض من يرفض المبنى في تزايد، كذلك (وهذا الأهمّ) بدأت هذه «المعارضات» تخسر الأرض وتتراجع، مع تأكيد خبراء على أنّ هذه «الجيوش» المتفرقة، عاجزة عن أمرين:

أوّلا: أن تتوحّد، وأن تصبح شوكة واحدة، علمًا وأنّ هاجس (الدول الراعية) يأتي من مزيد التفتّت وليس الحلم بالتكتّل في جيش واحد.

ثانيا: لا يمكن لهذه «الجيوش» (الصغيرة) أن تؤدي أو تعطي مردودًا أفضل ممّا قدمته منذ أن اندلع القتال في سورية، وبالتالي هي تراوح مكانها في أقصى الحالات.

 

من الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ الروس لم يقدموا على اعلان الانسحاب (من جانب واحد) بالمجان، ودون حساب، بل حسبوا للأمر وهم على ثقة من أنّ موازين القوى لن تتراجع، وكذلك وهذا الأهمّ، يأتي «اعلان الانسحاب» خطوة أولى من «اتفاق» مع الأمريكان على الذهاب بالمنطقة نحو الاستقرار، على أساس بقاء الأسد أوّلا (وهذا الانتصار الأكبر للروس) وثانيا (وهنا السؤال) تحييد «الجماعات المسلحة» (على الأرض)، ممّا يعني أنّ «المعارضة السياسيّة ستذهب إلى المفاوضات مثل «الأسد» (دون أسنان) في حين احتفظ «أسد» (دمشق) بأسنانه كاملة، بل شحذها، كما لم يشحذها من قبل.


تعليق واحد

  1. جمال عبالرحيم

    تحليل لا يستند إلى معطيات علمية وواقعية
    أسألك سي بن حديد ما مدي تأثير زيارة رئيس وزراء تركيا ﻻن أن على هذا الأمر

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي